أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
والنموذج الأول هو مجموع من خمس عشرة ومضة مرقمة ترقيماً، أما النموذج الثاني فمؤلف من خمس ومضات لكل منها عنوانه. والنموذج الأول من نمط ما يسمى (قصيدة النثر)، والثاني من (نمط قصيدة التفعيلة)، فلننظر في بعض ومضات كلٍّ منهما ـ إذ النظر في الكل لن يزيد شيئاً! ـ ولنحاول فهم شيء إن أمكن.تبدأ (محاولة في الجنون) بالومضة الآتية: (1 ـ القمر على الباب / معلق من قدميه)، ونلاحظ فوراً اختفاء العمق الترميزي لهذه الومضة التي تحاول أن تعبر بالاختزال المخلّ عن (شقلبة) الوجود بسطحية تملك ما يكفيها من(سريلة) منعدمة الجمالية. ولنلاحظ محاولة الإنقاذ اللاحقة في (الومضات:2 و3و4و5و6).(2ـ الكل انطوى على نفسه كوتر مقطوع،3ـ الأصدقاء تناسلوا، هنا أو هناك، أكاذيب وترهات،4ـ المعنى معتقل في نفسه، ولا أحد يستطيع أن يفتديه، حتى أنا. 5ـ أولئك الذين ماتوا أحسنوا كتابة قصائدهم المهدمة. 6ـ البارحة مت، وفي الصباح، كالعادة، استيقظت)… ولا ينسى صاحب هذه الومضات، بعد كلام مشابه عن الجوع، وموت المرأة، والجنون الجميل، وشعره وحروفه، ورسالة صديقه الملأى بالأفاعي والبوم، والحبيبة التي هي نبية ظلام وحبها نور، أن يختم بالعودة إلى القمر كما لو أنه أنجز بنياناً هارمونياً بدأه بالقرار وصار عليه أن يختمه بالجواب، فيقول: (آ… القمر على الباب، رفع إحدى قدميه)!!!وتلخيصات الحقيقة الفنية البينة هنا: أن كل (ومضة) بذاتها ليست إلا ملاحظة سطحية على جزئية من وهم واقع فارغ، وهي مصوغة في تشبيه نثري تنعدم الصلة بين طرفيه باستثناء الومضة رقم(5) وليس ثمة بنية، ولو بسيطة، تشع تفصيلاتها في الومضة الواحدة… ولا يشكل التجميع تحت عنوان واحد أي روابط بنيانية بين هذه الومضات حيث تظل الدلالات مشتتة وغير مؤثرة حين تكون مفهومة. وباختصار، هنا تفكك النص، والشعرية، والدلالة معاً، عبر تقطيع صلات التعبير اللغوي بأصول طاقاته الممكنة.وبالطبع، يمكن التفصيل والاسترسال في تحليل كل ومضة من النواحي المختلفة، لكن ذلك لن يفيد في شيء ذي أهمية. غير أن ملاحظة لابد من قولها أخيراً هنا، وهي: إن إسقاط الرموز واستبعاد الترميز في هذه الومضات لم يحولها إلى كلام نثري عادي وحسب، بل هو قد قطع! بينها وبين (الذاكرة الجمعية) فجرّد السطح من العمق، وجعل التلقي تلقياً مجانياً عابراً لا يخلف أي إثارة أو يترك أي أثر وراءه.