أ ـ الـ"هم" /القتل/ الحبر والدم والمنفى/ الغيب المطوع…خلق سدة الخراب تمهيداً لوحدانية (الأنا)، ذلك مايمكن أن نلخص به محمولات المقطعين 1 و2 وربع المقطع 3 أو مدخله التمهيدي.(جاؤوا، يحملون رأس الأفق في صحن أحمر/ دعي السراب كذلك، وكان يخيم في صحراء ليست بعيدة)، هذا هو مفتتح النص. فمن هم الذين جاؤوا (قاتلين كونيين) هكذا؟! وأية ذائقة أو فكر يستطيعان ربط السراب والصحراء بذلك؟!النص لا يحمل أية إجابة ممكنة، المهم هنا هو التجريد التام للقتل ووضعه بعد ذلك في خدمة طموح الأنا إلى تعاليها إلى الوحدانية!!ويكتمل المقطع الأول بصورة مأدبة غرائبية، وينتهي بالإعلان: (ما أعمق الوحدة بين الدم والسماء)!وفي المقطع الثاني (دم يسيل ولا يتوقف). وهو هكذا (حبر نشأة وتكوين دشنه قايين) ـ ولنلاحظ أن الاستخدام التوراتي لاسم القاتل الأسطوري الأول، بدل الاستخدام الإسلامي، متعمد ـ فالدم والحبر متماهيان أحدهما في الآخر، (وكم كان قايين رائياً، ولم يسر في التيه، ولم يعش في المنفى). ومع أن الرائي هو الكائن الأسمى في النهج الشعري الأدونيسي فنحن لا نخمن أن أدونيس هنا يود إظهار إعجابه بقايين القاتل ـ اللهم إلا إذا أراد صدم المتلقي بنقض موروثه الاعتقادي!… وإنما هو فقط يريد إبراز كلمتي (التيه، والمنفى) اللتين يعتبرهما صفتين ملازمتين لسيرته الشخصية، وهما يدلان على غير منطوقهما، إذ يحملان بعداً أيديولوجياً بدئياً في حياته لسنا هنا بصدد تفصيله وإيضاحه. وهكذا يصير الوقت بلا معنى ولا غاية. إنه (الغيب/ القدر) الذي توقده النار فيحترق بها ـ ربما نار الكاريزمية!! ـ والمهم: (في المنفى تولد النبوات)… وهنا يدخل أدونيس قارئه إلى حقيقة "لعبته" مع أناه، على قاعدة أن الزمن (غسق هائل من رؤوس البشر)!!وابتداء المقطع الثالث بنداء (سجيل) ـ حيث ثمة إشارة إلى ثلاثة معان إسلامية للكلمة ـ ليس إلا من أجل اختراع "تثليث" في صيغة (المدينة الثلاثية الوجه، والتي ولد فيها الغيب الثلاثي الوجه) كابتداع لفعل "مسيحة الأنا" الوشيك.ولن تفوتنا الإشارة هنا إلى البعد الأيديولوجي القديم المستحضر مجدداً في نهايات المقطع الثاني وبداية المقطع الثالث فأدونيس لا يقول ما هو جزاف في نصه. وما ذلك كله إلا تسويغ لهدف تطويب أناه، دون أية حسرة يثيرها ما ورد في المطرحين المشار إليهما لا على البشر الحقيقيين ولا على نفيه الأيديولوجي وتيهه بعيداً عنه، فالغيب له إرادته في (أناه) وهذه هي وحدها وظيفته. ولا بأس هنا أن يكون أدونيس قدرياً إلى أقصى الحدود، مادام ذلك سيدفع بتلك (الأنا) إلى وحدانيتها المتعالية كلياً في النتيجة.ب ـ حلم ولادته كمسيح، وهو الشاهد على ذاته. ذلك هو ملخص الحلم الذي ينتهي به نداء (سجيل) وتحمله بقية المقطع الثالث. فالمدينة (الثلاثية الوجه) والتي تصير (المدينة ـ اللغة) تأتيه في شكل امرأة حامل وتدخل فراشه، وتلد طفلاً، وتقول: خبئه في التنور… إلى آخر صيغة التناص مع (ولادة المسيح) المطارد كما في الإنجيل.. وكان الطفل: (في عينيه نور لم يعرف من قبل)… وحين يخرج المطاردون يذهب إلى التنور المشتعل لإخراج الطفل فيفاجأ بالمعجزة: (لا نار في التنور بل ماء، وكان الطفل يسبح ويضحك)!… وسيقال لنا: هذا طفل الشعر! ونحن نقول: نعم!!!… ولكن متى كان أدونيس إلا شعره، أو متى كان شعره إلاه؟! ومن لا يصدق فليراجع كتاباته جميعاً!!…