فرضت التبعية إذاً زيفاً رؤيوياً متواتراً حول طبيعة (الذات) وحقيقة العلاقة بينها وبين (الآخر) الابتزازي والنهاب، وتم الاكتفاء ـ عموماً ـ بالتلقي الواهم لشذرات من إبداعه بتعام أو تجاهل للسياقات التاريخية العامة التي تم فيها ذلك الإبداع ولوظيفته أيضاً. وترك ذلك كله آثاراً على (لغتنا) بمعنى كونها منجزات نصية إبداعية.ونظراً لغياب فعلنا في الإنتاج الحضاري الكلي المعاصر، ولموقعنا الاستهلاكي الهامشي فإن انزياح لغتنا عن مستويات وأنماط أداء قديم إلى مستويات جديدة كان انزياحاً قسرياً ومحدوداً، مثلما كان محكوماً بروح منافسة قاصرة، ورغبة باللحاق (بهذا الآخر) بتقليده في ما حصلناه من (معرفة) بإبداعه.وربما من هنا جاء فشل مشروعات (النهضة ـ نهضتنا) في هذا القرن. ومن هنا أيضاً جاء التوجه الحداثي لجماعة (مجلة شعر) قائماً على استبدال (ثورة الواقع) بثورة الكلمة، في أشد صيغ الوهم إشكالية وتبعية وتبديداً لطاقات الروح والعقل و اللغة معاً. إن إزاحة لغة لم تكن قادرة على الانزياح إلا قليلاً جداً قد قاد إلى انفلاش تعبيري له الصيغة الآتية:1 ـ العودة إلى البدائية السحرية للغة (مفهوم الكلمة الخالقة) حيث يضيع الواقع الموضوعي كلياً.2 ـ صناعة (المستقبل؟!!)، بما أسسته تلك العودة الإلغائية.وهنا يمكن للمتأمل جيداً في ذلك أن يتبين حجم القفزة الواسعة الواهمة فوق التاريخ من جهة، وفوق الواقع المعيش من جهة أخرى.ونظراً لهذا الانخلاع المزدوج تشعر (الذات الشاعرة) بالغربة والضياع والتصدع والتشتت وتغرقها أوهامها، حيث لا تجد إلا التقليد التابع (للآخر) مهرباً مما ابتكرته من خدع (لذاتها) بسبب سوء تقديرها للواقع الموضوعي وتوجهاته وحركته وموقعها فيه.