أهم جوانب النقد الأسطوري، أو بالأحرى، إنه الجانب المحوري. وقد أتبعت هذا الكتاب بكتاب آخر ظهر بعد سنوات وهو "أدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبير" (بيروت 1979) 2-الرؤيا في شعر البياتي (دمشق 1986) لمحي الدين صبحي. وفي هذه الدراسة تبرز ناحية أخرى من النقد الأسطوري يعتبرها الباحث هامة جداً وهي "القناع" أو ما يسميه يونغ "البرسونا" ويرى الباحث أن دراسته تستخدم لأول مرة في النقد العربي" تقنية القناع" ودوره في التعبير عن حلم الجماعة. ويرى أن هذا النموذج البدئي -أو الأولي- للشاعر رفع إلى أعلى درجات الأمُثَلَة تحت أقنعة الحلاج والمعري والخيام ولوركا وأبي فراس وغيفارا.. ثم تماهت الأبطال والعصور لتشكل رؤيا موحدة عن الحضارة العربية الإسلامية، رؤيا تبلغ من الأمثلة والصفاء والعمق أنها تسدّ حاجة الأمة في واقعها المهيض إلى تلك النماذج الحضارية العظمى تطل عليها من وراء الغيب فترعاها. وفي هذا مؤشر إلى إمكانية قيام "نظرية عربية" في الأدب، وتأكيد على أن الأدب هو نظام عالمي، ليس الآن وحسب، بل منذ آلاف السنين، منذ البدايات الأولى. 3-الأداء الأسطوري في الشعر العربي المعاصر (مجموعة ميرادية 1992) لعلي البطل. وهنا نجد أنفسنا أمام دراسة أشمل، لا تقتصر على التشديد على ناحية أكثر من غيرها. فالباحث يعرض علينا الأداء الأسطوري في شعرنا وكيف انتقل من التعامل مع الرموز الأسطورية إلى التعامل مع منطق الأسطورة. ففي البداية كان الشعراء يستخدمون أسماء أبطال أسطوريين للدلالة على مقصدهم، لكنهم فيما بعد اتقنوا منطق الأسطورة ذاته واستخدموه في أدائهم، فلم يعد الشاعر ينتقي من الأساطير ما يحمل مضمونه المرغوب، بل صار يصوغ بنفسه لغة الأسطرة. ويؤكد على ملمح دقيق في لغة الشعر وهو التفريق بين "لغة الطقس" و"لغة الحياة" اليومية"، فالشعر يستخدم الاثنين معاً ولكن الحاصل يكون إبداعاً فنياً خاصة إذا كان الشاعر قادراً على التحكم في توظيف اللغة اليومية واختار ما يوحي بمكنون الصورة الشعرية، أو الصور الشعرية التي تستخدم لغة الطقس. وبذلك يكون الشاعر قد قام بالتعديل بالمناسبة ووافق بين الأسطرة وبين الواقع اليومي الذي بسببه يضطر الشعر إلى التجديد والتعديل. لسنا بصدد تعداد الدراسات التي قدمها النقد الأسطوري، وإلا كان علينا الإشارة إلى كتب علي البطل نفسه من أمثال "الصورة في الشعر العربي" (بيروت 1981) وكذلك "شبح قايين بين ايديث سيتويل وبدر شاكر السياب" (بيروت 1984) وهو -على ما قاله لي- بصدد متابعة نشاطه النقدي، من أجل مهر النظرية الأدبية الحديثة بالإسهام العربي. * * * غرضنا من هذا البحث هو تقديم صورة إجمالية للنقد الأسطوري وتبيان حدوده وموقعه في مرسوم النظرية الأدبية الحديثة، أو بالأحرى النظريات الأدبية الحديثة. وقد بينا سبب قيام النظرية الأدبية الحديثة ومسوغاتها وعرضنا للتيارات المختلفة لهذه النظرية من شكلانية وبنيوية وماركسية.. الخ وقارنا بين النظرية الأدبية الحديثة والنظرية الأدبية القديمة قبل عرض أهم جوانب النقد الأسطوري. وقد فسرنا سبب تأخر ظهور النظرية الأدبية الحديثة حتى بداية القرن العشرين. وهو اجتهاد أرجو أن نكون مصيبين فيه، فنحن لم نعتبر الانطباعية والرومانسية والطبيعية وبقية النظريات الأدبية في القرن التاسع عشر من ضمن "النظرية الأدبية الحديثة" وقدمنا الأسباب التالية، التي سبق أن عرضناها في كتبنا السابقة، وعلى الأخص كتاب "الحداثة عبر التاريخ": 1-النظرية الأدبية القديمة تمثل الحداثة الزراعية وهي الحداثة الأولى التي صاغها اليونان بالنيابة عن العالم صياغة رائعة. وظلت هذه الحداثة تفعل فعلها حتى حلت العصور الوسطى فأبطلت الكنيسة الغربية فعل الحداثة الذي استمر ببطء شديد طيلة هذه العصور ولم يكن له أي اسهام يذكر. 2-النظرية الأدبية الحديثة تمثل الحداثة الصناعية أو الحداثة الثانية. وقدرنا أن هذه الحداثة بلغت أوجها في الربع الأول من القرن العشرين. 3-ألمحنا إلى احتمال قيام نظرية أدبية جديدة، بعد أن تتحقق الحداثة الثالثة، وهي الحداثة التكنولوجية الدقيقة وما نلاحظه من ثورة إعلامية ومن تقدم مذهل في هندسة الوراثة. وأشرنا إلى البدايات الأولى لهذه النظرية التي ترافق الحداثة الثالثة. * * * تبقى مشكلة المصطلحات التي يستخدمها النقد الأسطوري من أمثال السوما والاسكيا والظل والقناع والانبساطي والانطوائي والين واليانغ أو الانيما والانيموس