وأما الوضوء فتقف صحته على فروض عشرة:
أولها: النية بالإجماع وقوله تعالى: ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم... الآية، لأن التقديراغسلوا وجوهكم للصلاة وإنما حذف ذكر الصلاة اختصارا كقولهم: إذا لقيت الأميرفالبس ثيابك، و: إذا لقيت العدو فخذ سلاحك، وتقدير الكلام افعل ذلك للقاء.وإذا أمر الله تعالى بهذه الأفعال للصلاةفلا بد من النية لأن بها يتوجه إلى الصلاة دونغيرها. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدينوالإخلاص له لا يحصل إلا بالنية، والوضوءمن الدين لأنه عبادة بدليل الاجماع. ويحتج علىالمخالف بما رووه من قوله صلّى الله عليهوآله:
الوضوء شطر الإيمان ويحتج عليه في وجوبالنية بما رووه أيضا من قوله صلى الله عليه وآله: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ مانوى، لأن أجناس الأعمال إذا كانت توجد منغير نية ثبت أن المراد أنها لا تكون قربة وشرعيةومجزئة إلا بالنية، ولأن قوله: وإنمالامرئ ما نوى، يدل على أنه ليس له ما لم ينو لأن هذاحكم لفظة " إنما " في اللسان العربي على مابيناه فيما مضى من الكتاب.
والنية هي أن يريد المكلف الوضوء لرفعالحدث واستباحة ما يريد استباحته به من صلاة أو غيرها مما يفتقر إلى طهارة طاعةلله وقربة إليه. اعتبرنا تعلق الإرادةبرفع الحدث لأن حصوله مانع من الدخول فيما ذكرناه منالعبادة. واعتبرنا تعلقها باستباحته العبادة لأن ذلك هو الوجه الذي لأجله أمربرفع الحدث فما لم ينوه لا يكون ممتثلاللفعل على الوجه الذي أمر به لأجله. واعتبرناتعلقها بالطاعة لله تعالى لأن بذلك يكونالفعل عبادة. واعتبرنا القربة إليه سبحانه -والمراد بذلك طلب المنزلة الرفيعة عندهبنيل ثوابه لا قرب المسافة على ما بيناه فيما مضى منالأصول - لأن ذلك هو الغرض المطلوب بطاعته الذي عرضنا سبحانه بالتكليف له، واعتبارالقربة في النية عبادة في نفسه أمر اللهتعالى به ومدح على فعلها ووعد سبحانه عليه الثواب.
ودليل الأمر بها قوله تعالى: واسجدواقترب، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوااركعوا