ومن أين يتوافق العلو والسفل؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي لا تخفى آثاره كما بين الله تعالى بقوله: (قد بدت البغضاء من أفواههم) لامتناع اختفاء الوصف الذاتي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: '''''''' ما أضمر أحد شيئا إلا وأظهره الله في فلتات لسانه وصفحات وجهه ''''''''.
(وما تخفي صدورهم أكبر) لأنه نار وهذا شرار، ذاك أصل، وهذا فرعه (قد بينا لكم الآيات) دلائل المحبة والعداوة وأسبابهما (إن كنتم تعقلون) أي: تفهمون من فحوى الكلام.
(ها أنتم أولاء تحبونهم) بمقتضى التوحيد، إذ الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق، ويراهم متصلين بنفسه اتصال الأحماء والأقرباء بل اتصال الأجزاء، فينظر إليهم بنظر الرحمة الإلهية والرأفة الربانية، ويعطف عليهم مترحما إذ يراهم أهل الرحمة شغلوا بالباطل، وابتلوا بالقدر ولا يحبونكم بمقتضى الحجاب والبقاء في ظلمة النفس وتضاد الطبع.
(وتؤمنون بالكتاب) أي بجنس الكتاب (كله) لشمول علمكم التوحيدي، ولا يؤمنون للتقيد بدينهم والاحتجاب بما هم عليه (وإذا لقوكم قالوا آمنا) لنفاقهم المستجلب لأغراضهم العاجلة (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) نحقدهم الذاتي وبغضهم الكامن والباقي ظاهر.
(وإن تصبروا) على ما يبتليكم الله به من الشدائد والمحن والمصائب، وتثبتوا على مقتضى التوحيد والطاعة (وتتقوا) الاستعانة بهم في أموركم والالتجاء إلى ولايتهم (ولا يضركم كيدهم شيئا) لأن المتوكل على الله، الصابر على بلائه، المستعين به لا بغيره، ظافر في طلبته، غالب على خصمه، محفوظ بحسن كلاءة ربه، والمستعين بغيره مخذول موكول إلى نفسه، محروم عن نصرة ربه. كما قال الشاعر: