تفسير ابن عربي (جزء 1)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 388/ 328
نمايش فراداده

تفسير سورة إبراهيم من آية 28 إلى آية 31

(بدلوا نعمة الله) التي أنعم بها عليهم في الأزل من الهداية الأصلية والنور الاستعدادي الذي هو بضاعة النجاة (كفرا) أي: احتجابا وضلالة، كما قال تعالى: (اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) [البقرة، الآية: 16] أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة الحسية الفانية، فبقوا في الظلمة الدائمة (وأحلوا قومهم) من في قوى نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك (دار البوار).

(وجعلوا لله أندادا) من متاع الدنيا وطيباتها ومشتهياتها يحبونها كحب الله، إذ كل ما غلب حبه فهو معبود.

قال الله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) [آل عمران، الآية: 14] الخ، (ليضلوا عن سبيله) كل من نظر إليهم من الأحداث المستعدين ومن دان بدينهم. (قل تمتعوا) أي: اذهبوا فيه بأمر الوهم فإن تمتعكم قليل سريع الزوال، وشيك الفناء، وعاقبته وخيمة بالمصير إلى النار.

تفسير سورة إبراهيم من آية 32 إلى آية 34

(الله الذي خلق) سماوات الأرواح وأرض الجسد (وأنزل من) سماء عالم القدس ماء العلم (فأخرج به) من أرض النفس ثمرات الحكم والفضائل (رزقا لكم) وتقوى القلب بها (وسخر لكم) أنهار العلم بالاستنتاج والاستنباط والتفريع والتفصيل (وسخر لكم) شمس الروح وقمر القلب (دائبين) في السير بالمكاشفة والمشاهدة (وسخر لكم) ليل ظلمة صفات النفس ونهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة والاستنارة (وآتاكم من كل ما سألتموه) بألسنة استعداداتكم، فإن كل شيء يسأله بلسان استعداده كمالا يفيض عليه مع السؤال بلا تخلف وتراخ كما قال تعالى:

(يسئله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن (29) [الرحمن، الآية: 29].

(وإن تعدو نعمة الله) من الأمور السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة الإلهية ومن اللاحقة بكم من امداد التربية الواصلة عن الحضرة الربوبية (لا تحصوها) لعدم تناهيها كما تقرر في الحكمة (إن الإنسان لظلوم) بوضع نور الاستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها، أو بنقص حق الله أو حق نفسه بإبطال الاستعداد (كفار) بتلك النعم التي لا تحصى باستعمالها في غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها عنه.