يقدر عليه من برٍّ وإحسان حسب وسعهوطاقته.
فطبيعة المجتمع إذن لها مدخلية في رسمالصورة النهائية لهذا النمط من التعبيرالعاطفي المسموح به في ثوابت الشريعة، وهوأمر مغروس في نفوس الناس، ومختزن فيأعماقهم، غاية الأمر انَّ هناك اختلافاًفي طريقة ترجمته على الواقع العمليالمعاش، وهذا الاختلاف ينتج عن الاختلاففي أعراف الناس وطبائعهم.
بل ويمكن أن نلتمس من نفس كلام (الغزالي)شاهداً ومؤشراً على كون اُصول هذا العملكانت موجودةً فيما سبق، إلا انَّها كانتبدرجة محدودة، وبمستوىً ضئيل، يتناسبمَعَ طبيعة المجتمع القائم آنذاك، ونوعالأعراف والتقاليد التي كانت تحكمهوتسوده، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبارأنَّ الناس كانوا جديدي عهدٍ بأحكامالشريعة وتعاليمها وأسرارها، فقد مرَّمعنا انّه يقول: «ثم قبول العزاء بنحوٍعابرٍ لا افتعال فيه».
ويقول: «وربما كُلِّف جيران الميت باعدادالطعام لأهله».
«ولما جاءَ نعي جعفر بن أبي طالب الى رسولاللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:إصنعوا لآل جعفر طعاماً، فانَّه قد أتاهمما شغلهم»(1).
وفي رواية اخرى انَّه صلّى الله عليه وآلهوسلّم قال:
«لا تغفلوا آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماًفانَّهم قد شُغلوا بأمرِ مصابهم»(2).
وهذا يدلل على انَّ جذور هذهِ المراسيمكانت قد بدأت تضرب بجذورها في نفوسالمسلمين وطبائعهم، باعتبار استجابتهملارشادات الشريعة التي توصي بالاهتمامبآل المتوفى من جانب، وتوصي باكرام الضيفوإطعامه والتصدّق عن الموتى بمختلف أعمالالبر والمعروف من جانبٍ آخر، ثم أخذت هذهِالممارسة تقوى وتشتد وتستجيب
(1) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 15، ح:42630، ص: 663.
(2) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 15، ح:42629، ص: 262.