مجمعون على أنَّ الرسول وصحابته لميفعلوا هذا مَعَ وجود الداعي له وهوالموت، وطلب الثواب، وانتفاء المانعفالأمن مستقر والتجمع سهل. وما دام الأمر كذلك فالترك سنة، والفعلبدعة»(1). ونحن نعجب لصاحب هذهِ الشخصية العلميةكيف ينحى هذهِ الطريقة الخطيرة منالتفكير، وكيف يسمح لنفسه نعت مثل هذهِالأعمال المشروعة بالابتداع، في الوقتالذي لم يُعهد من ممارسي هذهِ الاعرافالقول بانَّها ضرورة لا بدَّ منها كما ذكرفي كلامه. وحتى القاعدة التي تم استشهاده بها،والتي كانت تمثل ظفراً علمياً نفيساًبالنسبة اليه، لا تصلح لأن تكون ضابطة لحدالابتداع، إذ ليس المدار في انطباق مفهوم(البدعة) على الاُمور الحادثة هو عدم فعلهافي حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّممَعَ وجود الداعي لذلك وارتفاع المانععنه، على ما صوَّره (الغزالي) في كلامهالمتقدم، إذ انَّ هناك خصوصيات أساسيةمتمِّمة قد أغفلها صاحب القاعدة، ومَنهامَ إعجاباً بها في آن واحد، تلك هيمراعاة طبيعة المجتمع، وعاداته،وأعرافه... ومثل هذا الأمر موكول الى سليقةالناس، وطبائعهم، وتقاليدهم الخاصة،يعبّرون عنه كيف يشاؤون، ويأتون بهبالطريقة التي تفرضها ضرورات الحياة،ومتطلبات العصر، وأعراف المجتمع، بشرط أنلا يصطدموا مَعَ خطوط الشريعة الحمراء،ولا ينسبوا العمل بكيفيته التفصيلية الىالشرع المقدس، عندما لا يرد بشأنه دليلخاص، وهذا ما يحصل في هذهِ المجالسوالمآتم، فهي تشتمل على الذكر، والدعاء،وتلاوة القرآن الكريم، وإطعام الطعام،وإكرام الضيف، ومواساة المؤمنين، وتسليةالمصاب.. وكل هذهِ الامور قضايا مندوبةومستحبة، ولا توجد أية مساحة للمخالفةالشرعية في عناوينها وتطبيقاتها في هذهِالمجالس. أضف الى انَّ مقيمي هذهِ المجالسوحضّارها لا يدّعون وجوبها وحتميتها،ولذا نرى أنَّ بعضهم يكتفي بمراسيمالتشييع والدفن ليس غير، وأما البعض الآخرفيبذل ما (1) محمد الغزالي، دستور الوحدة الثقافيةبين المسلمين، ص: 143.