التصوف والرهبنة
1 - من كلامٍ لأمير المؤمنين عليه السلاموقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي - وهومن أصحابه - يعوده، فلمّا رأى سعة داره قال:
«- ما كنتَ تصنع بسعة هذهِ الدار فيالدنيا، وأنتَ اليها في الآخرة كنتَ أحوج؟وبلى إن شئتَ بلغتَ بها الآخرة، تَقريفيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتُطلعمنها الحقوق مطالعَها، فإذا أنتَ قد بلغتَبها الآخرة.
فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكواليكَ أخي عاصم بن زياد، قال: وما له؟
قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا، قال:عليَّ به.
فلما جاءَ قال عليه السلام:
- يا عديَّ نفسه! لقد استهامَ بكَ الخبيث!أما رحمتَ أهلك وولدك! أترى اللّه أحلّ لكَالطيّبات، وهو يكره أن تأخذها! أنت أهونعلى اللّه من ذلك!
قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنتَ في خشونةملبسكَ وجشوبة مأكلك!
قال: ويحكَ، إنّي لست كأنت، إنَّ اللّهتعالى فرضَ على أئمة العدل أن يقدّرواأنفسهم بضَعفة الناس، كيلا يتبيَّغ(1)بالفقير فقرُه»(2).
2 - «دخَل سفيان الثوري على أبي عبد اللّهعليه السلام، فرأى عليه ثيابَ بياضكأنَّها غرقئ(3) البيض، فقال له:
- إنَّ هذا اللباس ليس من لباسك، فقال لهعليه السلام:
- اسمع منّي وعِ ما أقول لكَ، فانَّه خيرلكَ عاجلاً وآجلاً، إن أنتَ متَّ علىالسنّة
(1) يتبيَّغ: يهيج به الالم فيهلكه.
(2) نهج البلاغة: الكلام / 209.
(3) الغرقئ: كزبرج - القشرة الملتزقة ببياضالبيض.