شرح نهج البلاغه

سید محمد حسینی شیرازی

نسخه متنی -صفحه : 404/ 32
نمايش فراداده

خطبه 027-در فضيلت جهاد

و قد خطب عليه السلام هذه الخطبه حين بلغه ان جيش معاويه غزى بعض مملكته.

قالوا: ورد الى الامام شخص من اهل الانبار يخبره ان سفيان بن عوف الغامدى قد ورد فى خيل معاوى الى الانبار و قتل عامله حسان بن حسان البكرى فصعد عليه السلام المنبر و خطب الناس و قال: ان اخاكم البكرى قد اصيب بالانبار و هو مغتر، لا يخاف ما كان و اختار ما عندالله على الدنيا، فانتدبوا اليهم حتى تلاقوهم فان اصبتم منهم طرفا انكلتموهم عن العراق ابدا ما بقوا.

ثم سكت رجاء ان يجيبوه بشى ء فلم يفه احد منهم بكلمه فلما راى صمتهم نزل و خرج يمشى راجلا حتى احاط به قوم من اشرافهم و قالوا يا اميرالمومنين الا ترجع و نحن نكفيك؟ فقال: ما تكفونى و لا تكفون انفسكم فلم يزالوا به، حتى ردوه الى منزله، فبعث سعيد بن قيس الهمدانى فى ثمانيه الاف فى طلب سفيان من عوف فخرج حتى انتهى الى ادنى ارض قنسرين فاتوه فرجع، فخرج الامام مغضبا يجر ردائه حتى اتى النخيله و معه الناس فرقى رباوه من الارض فحمدالله و اثنى عليه و صلى على النبى صلى الله عليه و آله و سلم ثم قال: (اما بعد) اصله مهما يكن من شى ء بعد الحمد و الصلاه، فابدلت (مهما) ب(اما) و حذفت الجمله، و بقى لفظ (بعد) دا لاعليها (فان الجهاد باب من ابواب الجنه) و هذا تشبيه، اذ كما ان باب الدار منفذ اليها، كذلك الجهاد منفذ الى الجنه، و سميت الجنه جنه، لتسترها بالاشجار، ماخوذه من (جن) بمعنى استتر (فتحه الله لخاصه اوليائه) جمع ولى و هو المحب الموالى، و معنى ذلك انه لا يوفق للجهاد الا خواص عباد الله الصالحين (و هو لباس التقوى) فكما ان اللباس يقى الانسان من الحر و البرد، و تجمله بين الناس، كذلك التقوى تقى الانسان من المعاصى و تجمله بين الناس لتحليه- بسببها- بالفضائل (و درع الله الحصينه) اى التى تحصن الانسان و تحفظه عن الاثام و المعاصى، و عن النار النكال فى الاخره، و الدرع مونث سماعى (و جنته) هى (المجن) او بمعنى وقايته (الوثيقه) التى يوثق بها.

(فمن تركه) اى الجهاد (رغبه عنه) اى تنفرا عنه، و ذلك لا يكون الا بعد اجتماع الشرائط اذ الترك عند فقدها، ليس رغبه عنه، و انما لعدم امكانه و توفر شرائطه (البسه الله ثوب الذل) لان الاعداء يتسلطون عليه فيذل (و شمله البلاء) الشمله هى ما يشتمله الانسان و يلبسه، فان الاعداء اذا تسلطوا على الانسان احاطوه بانواع البلاء فى ماله و عرضه و سائر اموره، حتى كانه لبس شمله منه (و ديث) من (ديثه) باب التفعيل بمع نى (ذلله) اى ذل (بالصغار) مقابل الكبر (و القمائه) يقال (قمى) الرجل، على وزن (كرم) اى ذل و اهين (و ضرب على قلبه بالاسداد) جمع سد، هو الحجاب الذى يحول بين الانسان و بين الحسنات الموجب الهلاكه فى الدنيا و الاخره، فان الانسان لا يلبث ان يعتاد المنكرات و الاثام، و فى ذلك كل شقاء و بليه.

(و اديل الحق منه) اى اخذ انتقام الحق منه، حيث لم ينصره، و انتقام الحق بما يفعله سبحانه به من شقاء الدنيا و نار الاخره من (ادال) بمعنى اخذ الدوله و ذلك (ب) سبب (تضييع الجهاد) و عدم القيام به فى مقابل الباطل، و قد صار اهل الكوفه كما قال الامام عليه السلام حيث سيطر عليهم معاويه- بعد مده- فاذلهم بما لا فوقه ذله، بينما انهم لو كانوا يجاهدون فينصرون الامام و ولده الحسن عليهما السلام لكانوا امنع من عقاب الجو (و سيم الخسف) الخسف الذل و المشقه و سيم بمعنى كلف، اى كلفه الباطل ما يذله و ما يشق عليه (و منع النصف) بمعنى العدل، اى لم يعدل الاعداء فيه، بل يظلمونه و يجورون عليه.

(الا) فليتنبه السامع (و انى قد دعوتكم) يا اهل الكوفه (الى قتال هولاء القوم) معاويه و اصحابه (ليلا و نهارا و سرا و اعلانا) اى جهارا (و قلت لكم اغزوهم) بالذهاب الى بلادهم لاستلابها منهم (قبل ان يغزوكم) و يستلبوا منكم بلادكم و يغيرون عليكم فى بلادكم (فوالله ما غزى قوم فى عقر دارهم) عقر الدار و سطها (الا ذلوا) فان الانسان اذا بقى فى داره لم يستعد للقتال، فاذا جائه جيش مستعد غلب على اهل الدار، فاذلهم، بخلاف الانسان الذى يستعد للجهاد و الغزو، فانه لا يمكن ان يغزى فى داره، لانه خارج متطلع مستعد، فاذا لاقاه جيش كان كفوا له (فتواكلتم) اى اوكل الامر بعضكم الى بعض (و تخاذلتم) اى تنحى كل واحد منكم ناحيه (حتى شنت الغارات) جمع غاره، و هى الدفعه من هجوم العدو، و شنها: الهجوم (عليكم) فقد امر معاويه جيشه بان ينالوا اطراف بلاد الامام لالقاء الرعب فى قلوب الامه (و ملكت عليكم الاوطان) فقد كان جيش معاويه يسيطر على بعض اطراف البلاد.

و قد ذكر اهل السياسه، ان بعض الناس فيه طبيعه الاستعلاء يحب الترفع بالمال و الجاه و ما اشبه، و منهم رعاع يتبع الساده حيثما يوجهونهم، فمن جبل على الاستعلاء بيده قلوب الرعاع، فاذا جلبه الانس ان الى نفسه باشباع رغبته من اعطاء المال، او منح المنصب، تبع الانسان و جر اتباعه نحوه، و اذا اراد الانسان ان يعطى كل ذى حق حقه، اغضب، فان تمكن جاهر بالعداء و المبارزه، و ان لم يتمكن نافق و انتهز الفرص للنيل من كرامه الانسان، و هذا هو السر، لكثره اعداء الانبياء سواء غلبوا ام غلبوا، فانهم كانوا يريدون الحق، و اعطاء كل ذى حق حقه، و عدم منح الباطل شيئا، فكان ذلك غضب الذين يرون لانفسهم فضلا، فيحاربونهم او ينافقون اذا لم يجدوا للحرب سبيلا.

و حيث ان الامام كان ينهج منهاج الانبياء، لم يكن اشراف قومه يطيعونه و يكفونه الامر، بخلاف معاويه الذى كان يعمل بما يقوى سلطانه، فمثلا لو كان الامام اعطى طلحه و الزبير الكوفه، و البصره، و معاويه الشام، و عائشه عشره الاف درهم كل سنه- كما اعطاها عمر، خلافا للعدل- لاستقامت له الامور، لكنه عليه السلام كان يرى ان ذلك كله باطل، و لذا انقض هولاء عليه، بخلاف ابى بكر، الذى يمنح الفاسق الزانى (خالد بن الوليد) منصبا، و يسميه سيفا، و عمر الذى يعطى عائشه الاف الدراهم جورا فى العطاء، و عثمان الذى يقرب بنى اميه و يركبهم روس المسلمين و يبعد اباذر العظيم، و معاويه الذى يعطى مصر ابن النابغه عمرو بن ا لعاص فى سبيل تقويه سلطانه.

نعم قد تساعد الظروف احدا، فيتمكن ان يسلح نفسه ليعمل الحق، و يسيطر على اصحاب الاطماع حتى لا يتمكنوا من القيام ضده علنا، و يتولد من ذلك النفاق، كما تمكن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك، و لذا كثر المنافقون حوله، حتى نزلت فيهم آى من الذكر الحكيم.

(و هذا اخو غامد) هو سفيان بن عوف من بنى غامد قبيله من اليمن بعثه معاويه لشن الغارات على اطراف العراق تهويلا لاهلها (قد وردت خيله الانبار) هو بلده عراقيه كما ذكروا (و قتل حسان بن حسان البكرى) و الى الامام عليه السلام على هناك (و ازال خيلكم عن مسالحها) جمع مسلحه و هى الثغر سمى بذلك لانه محل السلاح (و لقد بلغنى ان الرجل منهم) اى من جيش معاويه (كان يدخل على المرئه المسلمه و) المرئه (الاخرى المعاهده) اى المسيحيه و اليهوديه اللتين فى عهد الاسلام و ذمته (فيتنزع حجلها) اى خلخالها و هو الذهب و الفضه المصنوع لزينه الرجل (و قلبها) هو السوار زينه اليد (و قلائدها) جمع قلاده ما تلبسها المرئه فى عنقها للزينه (و رعاثها) جمع (رعثه) بمعنى القرط ما يلبس فى الاذن (ما تمتنع) تلك المرئه المسلوبه (منه) اى من ذلك الرجل الناهب (الا بالاسترجاع) بان تقول (انا الله و انا اليه راجعون) ان تردد صوتها بالبكاء (و الاسترحام) بان تطلب رحمه و شفقته لعدم ان ينالها بمكروه.

(ثم انصرفوا) جيش معاويه (وافرين) تامين عددهم لم ينقص احدهم بالقتل (ما نال رجلا منهم كلم) اى جرح، لانه يقابلهم احد من جيش العراق و رجاله (و لا اريق لهم دم) اى لم يجرحهم احد حتى يراق على الارض دمهم و هذا مما يشجع اولئك الغزات على اعاده الغزو و الارهاب لانهم لم يروا مقابله و مقاتله (فلو ان امرئا مسلمامات من بعد هذا) الحادث (اسفا) اى حزنا (ما كان به) اى بسبب موته (ملوما) فلا يلام على موته لم قد مات؟ (بل كان به) اى بالموت (عندى جديرا) اى حقيقا حريا (فيا عجبا) اى يا عجبى و المنادى المضاف الى الياء يجوز فيه تبديل ياء المتكلم بالالف، كما قال ابن مالك (و اجعل منادى صح ان يضف ليا) (كعبد عبدى عبد عبدا عبديا) و المنادى اما محذوف بمعنى يا قوم اعجب انا او هو هو المنادى اى يا عجبى احضر فهذا و قتك (و الله يميت القلب) و يخمد فيه النشاط (و يجلب الهم) و الحزن و هذه جمله معترضه بين العجب و المتعجب منه.

(من اجتماع هولاء القوم) اى معاويه و اصحابه (على باطلهم) الذى دعوى الخلافه و الاستقلال فى الاماره و سائر اعمالهم المنكره (و تفرقكم عن حقكم) فان لكم آراء مختلفه لا تجتمعون على الطاعه، كاجتماع اولئك و لقد كان بامكان الامام ان يجمعهم على الطاعه بمنع الروساء منهم ما يريدون و قتل المعارضين حتى يصفوله الجو لكن كان ذلك خلاف الحق و لذا كف الامام عنه بل اراد عليه السلام ان يجمعهم الحق فلم يجتمعوا (فقبحا لكم) منصوب بفعل محذوف اى قبح الله قبحا لكم (و ترحا) الترح مقابل الفرح بمعنى الهم و الحزن (حين صرتم غرضا) هو ما يجعل فى محل ليجرب الرمات مقدار اصابتهم الهدف فيرميه كل واحد منهم (يرمى) فانكم مثل الغرض فى تناول كل احد عليكم بالسوء و الهجوم.

(يغار عليكم) اى يهجمكم اصحاب معاويه (و لا تغيرون) فلا تهجمون معاويه و بلاده (و تغزون) اى يغزوكم العدو (و لا تغزرن) فانكم لا تردون الاعتداء بمثله (و يعصى الله) يعصيه معاويه و اصحابه (و ترضون) فان السكوت علامه الرضا (فاذا امرتكم بالسير اليهم فى ايام الحر) كالصيف (قلتم) معتذرين (هذه حماره القيظ) اى شده الحر فان حماره بمعنى ذلك، و القيظ فصل الصيف (امهلنا يسبخ عنا الحر) التسبيخ التخفيف و التسكين، و معناه حتى يخف الحرفان السفر و القتال فى ايام الحراشد وقعا على الانسان (و اذا امرتكم بالسير اليهم فى الشتاء) و ايام البرد (قلتم) معتذرين (هذه صباره القر) بمعنى البرد، و الصباره شده برد الشتاء (امهلنا ينسلخ) و يذهب (عنا البرد) فان الهواء البارد يوذى الانسان المسافر.

(كل هذا) تقولون (فرارا من الحر و القر) اى البرد، و نصب فرارا، لكونه مفعولا لاجله (فاذا كنتم من الحر و القر تفرون) و لا تريدون السفر و القتال فيهما (فانتم و الله من السيف افر) اى ااكثر فرارا و لعل قوله (كل هذا) على نحو الاستفهام الانكارى، لاعلى نحو الجمله الخبريه، فالمعنى الانكار عليهم بكون فرارهم- كما يقولون- من الحر و البرد و انما من القتال (يا اشباه الرجال) جمع شبه اى انتم فى شكل الرجا ل (و لا رجال) ليس فيكم حقيقه الرجوليه فان الرجل يكون ذا غيره و حميه و انقه من ان يغار ويهان و يذل (حلوم الاطفال) اى فيكم عقول الاطفال التى لا تقدر الاشياء قدرها الحقيقى (و عقول ربات الحجال) جمع (ربه) و هى المرئه العروسه التى فى الحجله، فان عقلها غير كامل و لا ناضج لانها جديد العهد بالدخول فى مزدحم الحيات، حتى ان العجوز اعلى منها عقلا و تجربه.

(لوددت انى لم اركم) بان لم اكن سافرت من الحجاز الى العراق لا راكم (و لم اعرفكم) ثم بين ذلك بقوله (معرفه) اى انى معرفتى لكم معرفه (- و الله- جرت ندما) الى (و اعقبت) اى خلفت (سدما) اى هما واسفا (قاتلكم الله) دعاء عليهم بان يهلكهم الله و انما جى ء بباب المفاعله، لان الاصل قتل احد لاحد، انما يكون من طرفين كل يريد قتل صاحبه، و ان كان هذا المعنى مفقودا فى اهلاك الله سبحانه، كما قال سبحانه (قاتلهم الله انى يوفكون) (لقد ملئتم قلبى قيحا) هذا تشبيه فان الحمل المتقيح يتالم و يشتد وجعه، و هكذا قلب الامام عليه السلام كان متالما منهم اشد التالم كالمكان المجروح المتقيح.

(و شحنتم صدرى غيظا) الشحن هو الملاء، اى ملئتم، و انما نسب الى الصدر لان القلب الذى هو محل النفس فى الصدر، و الغيظ هو الحزن على الامر مع اراده الانتقام و الدفع (و جرعتمونى نغب) جمع نغبه مثل جرعه لفظا و معنى (التهمام) بمعنى الهم (انفاسا) جمع نفس، اى اشربتمونى بعدد انفاسى جرعا من الهم و الحزن بما فعلتم من المعصيه و مخالفه الامر (و افسدتم على رايى بالعصيان و الخذلان) فقد عصيتمونى و تركتم او امرى، و الخذلان هو ترك الشخص وحده بلا نصره و اعانه (حتى لقد قالت قريش ان ابن ابى طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب) لانه لو كان عالما بالحرب لم يغلبه معاويه و لم تدر قريش ان عدم نصرتى انما هى من اصحابى الذين لا يطيعون او امرى و يخذلوننى (لله ابوهم) كلمه تعجب و استغراب، و اصلها التعجب عن شى ء حسن، نحو (لله دره) فان الشى ء او الشخص الذى لله يكون حسنا جميلا، و من المعلوم ان اب الانسان لو كان حسنا فى افعاله سرى ذلك الى اولاده فان الولد سر ابيه.

(و هل احد منهم) اى من قريش (اشد لا) اى للحرب- و هى مونث سماعى- (مراسا) مصدر (مارسه) اى عالجه و زامله، حتى عرف جميع خصوصياته (و اقدم فيها) اى فى الحرب (مقامانى) اى قياما بشئونها و خوضا فيها (لقد نهضت فيها) اى فى الحرب (و ما بغلت العشرين) من العمر (و ها) للتبنيه (انا ذا) الانسان السابق المقدم (قد ذرفت ع لى الستين) اى زدت عليها (و لكن لا راى لمن لا يطاع) فان اصحابى اذا لم يطيعونى لا ينفذ رايى حتى يتبين ان ارائى مصيبه و خططى فى الحرب تفوق خطط معاويه و من ماثله من الانتهازيين و (لا ارى) نفى الحقيقه مجازا اى لا يفيد راى من لا يطاع رايه.