الشرح: قوله عليه السلام: لم يسبق له حال حالا الى آخره.
قال الامام الوبرى: معنى كونه تعالى اولا انه قديم لا اول لوجوده و كونه آخرا انه موجود، حين يعدم سائر الاشياء، لكونه قديما، ففائده كونه اولا و آخرا واحده، و هو انه قديم يجب وجوده فى كل حال، و وجوده فى حال وجوده واحد، و تغيره و تبدله مضاف الى غيره لا الى ذاته، و هو انه موجود قبل وجود الاشياء، و موجود فى حال عدمها بعد وجودها، و لذلك لم يتغير له حاله فى حالتى وصفناه اياه بالاول و الاخر.
فلم يكن كونه اولا قبل كونه آخرالان ما هو عليه فى كونه اولا، هو بعينه فى كونه آخرا، قال و لكونه ظاهرا معنيان.
احدهما انه معلوم بكثره الادله كالمعلوم مشاهده فشبه بالظاهر للحواس.
و الثانى انه قادر على كل شى ء لقوله تعالى: فاصبحوا ظاهرين، و لكونه باطنا فائدتان.
احديهما انه لا يعرف بالحواس و انما يعرف بالعقل.
و الثانيه انه عالم بخفيات الامور و سرائرها، فعلى كلى القولين كونه ظاهرا و باطنا فى حاله واحده، لانه حال كونه عالما ببواطن الامور، قادر على كل شى ء، قاهرا له.
كل مسمى بالوحده غيره قليل: لان معنى الوحده فى المخلوق انه منفرد عن جنسه كالجوهر الواحد و الرجل الواحد، و معنى الوحده فى صفاته تعالى الله انه يستحيل، ان يكون غيره الها و توحده بالقدم.
و كل عزيز غيره ذليل: لان العزير هو الذى لا يمنع عن مراده: و العبد ممنوع عن اكثر مطالبته و مراداته، و يستحيل المنع على الله تعالى، و الذله: المنع على المراد.
و كل قوى غيره ضعيف: كل قوى فى المخلوقات يلحقها العجز و الضعف، عن قريب.
و كل مالك غيره مملوك: لان ذلك المالك انما ملك ما يملك بخلقه الله تعالى اياه و اقداره و تمليكه ذلك.
و كل سميع غيره يصم عن لطيف الاصوات و يصمه كبيرها لان الموانع و الافات من عوارض الحواس، و هو تعالى منزه عنها.
و كل ظاهر غيره غير باطن: لان المحسوس اذا لم يكن دونه مانع و الحى المدرك على السلامه فهو ظاهر، و مع ظهوره لا يصح ان لا يدرك فى هذه الحاله، و هكذا.
قوله و كل باطن غيره غير ظاهر: لم يحلل فى الاشياء لان الحلول من امارات الاعراض، و يقال ذلك بالمجاز فى حق الاجسام، و اذا كان الله تعالى قديما استحال حدوثه، و الحلول تبع الحدوث، فيستحيل حلوله، و يستحيل عليه المجاوره، لان المجاوره من لوازم الاجسام و ما استحال عليه القرب استحال عليه البعد، لانهما موقوفان على الجسم و العرض توسعا.
فاذا كان كذلك فكما لم تجز ان يكون الله تعالى فى الاشياء من طريق الحلول: و لا مع الاشياء من طريق المجاوره و المصاحبه، لم يجز ان يكون خارج الاشياء بائنا عنها، لان يقتضى كونه شاغلا للجهات، فاذا استحالت الجسميه عليه استحال مقتضاها.
يوده خلق ما ابتدا و لا تدبير ما ذرا.
لان احداثه للافعال من غير احتياج الى آله و النصب و الاعياء من حكم الالات و الجوارح.
و لا ولجت عليه شبهه فيما قضى و قدر.
لانه عالم بكل معلوم، و عالم بما هو كائن و ما يكون، و ما لا يكون و انما يتردد فى الفعل من لا علم له به قبل ايجاده.