و من خطبه له عليه السلام:
اقول:
المدحوات:
المبسوطات. و المسموكات:
المرفوعات و دعمها:
حفظها بالدعامه. جبل:
خلق. و الفطرات:
جمع فطره و هى الخلقه. و الدمغ:
كسر عظم الدماغ. و جيشات:
جمع جيشه من جاشت القدر اذا ارتفع غليانها. و اضطلع بالامر:
قوى على حمله و القيام به من الضلاعه و هى القوه. و الاستيفاز:
الاستعجال. و النكول:
الرجوع و القدم:
التقدم. و الوهى:
الضعف. و وعى الامر:
فقهه. و القبس:
شعله النار. و اورى:
زكى و اشتعل. و قد اشتلمت هذه الخطبه على ثلاثه فصول. الاول:
فى صفت المدعو و تمجيده و هو الله سبحانه. الثانى:
فى صفات المدعو له و هو النبى صلى الله عليه و آله و سلم. الثالث:
فى صفات انواع المدعو به. و ذلك هو الترتيب الطبيعى. فبده ممجدا لله تعالى باعتبارات ثلاثه:
احدهما:
كونه داحى المدحوات:
اى باسط الارضين السبع و ظاهر كونها مدحوات فان كل طبقه منها اذا اعتبرت كانت مبسوطه فاما صدق البسط على جمله الارض مع انها كره و شهاده قوله:
و الارض بعد ذلك دحيها. بذلك، و قوله:
و الارض مددنا. فهو باعتبار طبقاتها. و قد يصدق عليها البسط باعتبار سطحها البارز من الماء الذى يتصرف عليه الحيوان فانه فى الاوهام سطح م بسوط و ان كان عند الاعتبار العقلى محدبا، و اليه الاشاره بقوله تعالى (الذى جعل لكم الارض فراشا) (و الله جعل لكم الارض بساطا) الثانى:
داعم المسموكات:
اى حافظ السماوات ان تقع على الارض. فان قلت:
قد قال فى الخطبه الاولى:
بلا عمد تدعمها ثم جعلها هنا مدعومه فما وجه الجمع؟. قلت:
لم ينف هناك الا كونها مدعومه بعمد و هذا لاينا فى كونها مدعومه بغير العمد، و قد بينا هناك ان الدعامه التى تقوم بها السماوات قدرته تعالى. الثالث:
كونه جابل القلوب على فطراتها شقيها و سعيدها:
اى خالق النفوس على ما خلقها عليه من التهيوء و الاستعداد لسلوك سبيلى الخير و الشر و استحقاق الشقاوه و السعاده بحسب القضاء الالهى كما قال تعالى (و نفس و ما سويها فالهمها فجورها و تقويها قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها) و قوله (و هديناه النجدين) اى الهمناه معرفه سلوك طريقى الخير و الشر. و اهل العرفان كثيرا ما يعتبرون عن النفس بالقلب. و شقيها. بدل من القلوب:
اى خالق شقى القلوب و سعيدها على فطراتها المكتوبه فى اللوح المحفوظ فمن اخذت العنايه الالهيه بزمام عقله على ما وفق ما كتب له فاعدته لقبول الهدايه لسلوك سبيل الله فهو السعيد، و من لحقته حبايل القضاء الا لهى فحطته الى مهاوى الهلكه فذلك هو الشقى البعيد. و اليه الاشاره بقوله تعالى (فمنهم شقى و سعيد) الايه. و قوله:
و اجعل شرائف صلواتك و نوامى بركاتك على محمد عبدك و رسولك. بعض مطلوباته من هذا الدعاء. و شرايف صلواته ما عظم من رحمته و كمال جوده على النفوس المستعده لها، و نوامى بركاته مازاد منها. الفصل الثانى:
ذكر للنبى صلى الله عليه و آله و سلم احد و عشرين و صفا على جهات استحقاق الرحمه من الله و زياده البركه المدعو بها. الاول:
كونه عبدالله و ظاهر كون العبوديه جهه لاستحقاق الرحمه. الثانى:
كونه رسولا له، و الرساله نوع خاص من الاستعباد توجب مزيد الرحمه و الشفقه. الثالث:
كونه خاتما لما سبق من انوار الوحى و الرساله بنوره و ما جاء من الدين الحق. و ظاهر كون ذلك جهه استعداد منه لقبول الرحمه و درجات الكمال. الرابع:
كونه فاتحا لما انغلق من سبيل الله قبله و طريق جنته و حضره قدسه باندراس الشرايع ففتح صلى الله عليه و آله و سلم تلك السبيل بشرعه و كيفيه هدايته للخلق فيها. الخامس:
كونه قد اظهر الحق بالحق. و الاول هو الدين و ما يدعو اليه، و الثانى فيه اقوال فقيل:
هو المعجزات اذ بسببها تمكن من اظهار الدين، و قيل:
الحرب و الخصو مه يقال فلان حاق فلانا فحقه:
اى خاصمه فغلبه، و قيل:
هو البيان:
اى اظهر الدين بالبيان الواضح. و اقول:
الاشبه انه اراد:
اظهر الحق بعضه ببعض. و كل جزئى من الحق حق، و ذلك ان الدين لم يظهر دفعه و انما بنى الاسلام على خمس ثم كثرت فروعه و هو بالاصل يظهر الفرع، و ظاهر كون اظهاره للحق جهه لاستحقاقه الرحمه. السادس:
كونه دافعا لجيشات الاباطيل:
اى لثوران فتن المشركين و انبعاثهم لاطفاء انوار الله، او لفتنتهم السابقه التى كانت معتاده من الغارات و حروب بعضهم لبعض فان كل ذلك امور باطله على غير قانون عدلى من الله، و ذلك الدفع من جهات قبول الرحمه. السابع:
كونه دامغا لصولات الاضاليل، و هو قريب من السادس، و استعار لفظ الدمغ لهلاك الضلال بالكليه ببركه مقدمه صلى الله عليه و آله و سلم، و وجه الاستعاره كون الدمغ مهلكا للانسان فاشبه ما اهلك الباطل و محاه من افعال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم. و الضلال هنا الانحراف عن طريق الله اللازم عن الجهل بها، و استعار لفظ و صف الصولات له ملاحظه لشبه المنحرفين عن سبيل الله الى الفساد فى قوه انحرافهم و شده فسادهم بالفحل الصايل. الثامن:
كونه حمل الرساله فقام بما كلف به و قوى عليه و قائما. ن صب على الحال، و كذلك المنصوبات بعده و هى مستوفزا، و غير ناكل، و كذلك محل لاواه، و واعيا، و حافطا، و ماضيا. و فى قوله:
كما حمل. لطف:
اى صل عليه صلاه مناسبه مشابهه لتحميلك له الرساله و قيامه بامرها لان الجزاء من الحكيم العدل يكون مناسبا للفعل المجزى و لاجل كونها جهه استحقاق جهه استحقاق طلب ما يناسبها. التاسع:
كونه عجلا فى رضا الله بامتثال او امره. العاشر:
كونه غيرنا كل ما يتقدم فيه من طاعه الله. الحادى عشر:
كونه ماضى العزم فى القيام بامر الله غير و ان فيه. الثانى عشر:
كونه واعيا لوحيه، ضابطا، قوى النفس على قبوله. الثالث عشر:
كونه حافظا لعهده الماخوذ عليه من تبليغ الرساله و اداء الامانه، و قد سبق بيان معنى العهد فى الخطبه الاولى. الرابع عشر:
كونه ماضيا على انفاذ امره فى العالم و جذب الخلق الى سلوك سبيله. الخامس عشر:
ما انتهى اليه من الغايه باجتهاده فى ارضاء الله، و هو كونه اورى قبس القابس:
اى اشتعل انوار الدين و قدح زناد الافكار حتى اظهر انوار العلوم منها للمقتبسين، و استعار لفظ القبس لنور العلم و الحكمه، و لفظ الورى لاظهار الرسول لتلك الانوار فى طريق الله، و قد سبق وجه الاستعاره. السادس عشر:
كونه اضاء ا لطريق للخابط. فالطريق هى طريق الجنه و الحضره الالهيه، و اضاءته لها باظهار تلك الانوار و بيانها بتعليم كيفيه سلوكها و الارشاد اليها، و الخابط هو الجاهل الذى قصدت الحكمه الالهيه ارشاده حيث كان يخبط فى ظلمات الجهل. السابع عشر:
كونه قد هديت به القلوب الى موضحات الاعلام:
اى الادله الواضحه على الحق. و نيرات الاحكام هى المطالب الحقه الواضحه اللازمه من تلك الادله بعد ما كانت القلوب فيه من خوضات الفتن و الاثام اللازمه عما اجترحته من السيئات. و ذلك امر ظاهر. الثامن عشر:
كونه امين الله:
اى على وحيه و رسالته، و المامون تاكيد لامانته. و قد عرفت معنى الامانه. التاسع عشر:
كونه خازن علمه المخزون:
اى علومه اللدنيه الغيبيه التى لا يتاهل لحملها كل البشر المشار اليها بقوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول). العشرون:
كونه شهيدا يوم الدين كقوله تعالى (فكيف اذا جنا من كل امه بشهيد و جئنا بك على هولاء شهيدا) اى شاهدا يقوم القيامه على امته بما علم منهم من خير و شر. فان قلت:
ما حقيقه هذه الشهاده و ما فايدتها مع ان الله تعالى عالم الغيب و الشهاده؟. قلت:
اما حقيقتها فيعود الى اطلاعه صلى الله عليه و آله و سلم على افعال امته، و بيان ذلك انك علمت فيما سلف ان للنفوس القدسيه الاطلاع على الامور الغايبه و الانتقاش بها مع كونه فى جلابيب فى ابدانها فكيف بها اذا فارقت هذا العالم و الجسم المظلم فانها اذن تكون مطلعه على جميع افعال اممها و مشاده لها من خيرا و شر، و اما فايدتها فقد علمت ان اكثر احكام الناس و هميه، و الوهم منكر للاله على الوجه الذى هو اله فبالحرى ان ينكر كونه عالما بجزئيات افعال عباده و دقايق خطرات اوهامهم، و ظاهر ان ذلك الانكار يستتبع عدم المبالات بفعل القبيح و الانهماك فى الامور الباطله التى نهى الله تعالى عنها فاذا ذكر لهم ان عليهم شهداء و رقباء كتابا لما يفعلون مع صدق كل ذلك باحسن تاويل كان ذلك مما يعين العقل على كسر النفس الاماره بالسوء و قهر الاوهام الكاذبه، و يردع النفس عن متابعه الهوى ثم لابد لكل رسول من امناء على دينه و حفظه له هم شهداء ايضا على من بعده الى قيام الساعه، و اذا كان معنى الشهاده يعود الى اطلاع الشاهد على ما فى ذمه المشهود عليه و علمه بحقيقته و فائدتها حفظ ما فى ذمه المشهود عليه و تخوفه ان جحده او لم يوصله الى متسحقه ان يشهد عليه الشاهد فيفضحه و ينتزع منه على اقبح وجه، و كان هذا المعن ى و الفائده قائمين فى شهاده الانبياء عليهم السلام اذ بها تتحفظ او امر الله و تكاليفه التى هى حقوقه الواجبه، و يحصل الخوف للمقصرين فيها بذكر شهاده الرسل عليهم بالتقصير فيفتضحوا فى محفل القيامه و يستوفى منهم جزاء ما كلفوا به فقصروا فيه بالعقاب الاليم لاجرم ظهر معنى كونهم شهداء الله على خلقه. الحادى و العشرون:
كونه مبعوثا بالحق، و هو الدين الثابت الباقى نفعه و ثمرته فى الاخره، ثم اعاد ذكر كونه رسول الله الى خلقه. و انما كرره لانه الاصل فى باقى الاوصاف:
و ظاهر ان كل هذه الاوصاف جهات استحقاق الرحمه و البركه و افاضه الصلوات الالهيه على نفسه القدسيه. الفصل الثالث:
فى تفصيل المطلوب من هذا الدعاء و هو قوله:
اللهم افسح. الى آخره، و طلب امورا:
احدها:
ان يفسح له مفسحا فى ظله:
اى مكانا متسعا فى حضره قدسه و ظل وجوده، و لفظ الظل مستعار للجود، و وجه المشابهه راحه المستظل بالظل من حر الشمس فاشبهها راحه الملتجى ء الى جود الله المستظل به من حراره جهنم و سعير عذابه، و اليه الاشاره بقوله تعالى (فى ظل ممدود). الثانى:
ان يجزيه مضاعفات الخير من فضله:
اى يضاعف له الكمالات من نعمه، و قد علمت ان مراتب استحقاق نعم الله غير متناهيه.
الثالث:
ان يعلى على بناء البانين بناءه، و يحتمل ان يريد ببنائه ما شيده من الدين فيكون اعلاء المطلوب هو اتمام دينه و اظهاره بعده على الاديان كلها، و يحتمل ان يريد به ما شيده من الملكات الخيريه و استحقه من مراتب الجنه و قصورها. الرابع:
ان يكرم لديه منزلته و هو انزاله المنزل المبارك الموعود، و قل رب انزلنى منزلا مباركا. الخامس:
ان يتم له نوره و هو اما النور الذى بعث به و اتمامه انتشاره فى قلوب العالمين، و اما النور الذى فى جوهر ذاته. و تمامه زياده كماله. السادس:
ان يجزيه عن بعثته قبول شهادته و رضا مقالته، و مقبول مفعول آخر. و ذا منطق. نصب على الحال. و قبول شهادته. كنايه عن تمام الرضى عنه اذ من كان مقبول الشهاده مرضى القول فلابد و ان يكون بريئا من جهات الرذايل المسخطه، او كنايه عن كون معتقداته و مشاهداته من اعمال امته و غيرها بريئه عن كدر الاغاليط و شوائب الاوهام، و كذلك رضا اقواله فى شفاعته و غيرها. و كونه ذا منطق عدل:
اى لاجور فيه عن الحق، و خطبه فصل:
اى مميزه للحق فاصله له من الباطل، و كل هذه الاعتبارات و ان اختلف مفهوماتها ترجع الى مطلوب واحد و هو طلب زياده كمالاته عليه السلام و قربه من الله تعالى و قوله:
اللهم اجمع. الى آخر سال الله ان يجمع بينه و بين الرسول فى امور:
احدها:
برد العيش. و العرب يقول:
عيش بارد اذا كان لاكلفه فيه من حرب و خصومه. و هو فى الاخره يعود الى ثمرات الجنه البريئه من كدر الاتعاب. الثانى:
قرار النعمه:
اى مستقرها و هو الجنه و حضره رب العالمين. الثالث:
منى الشهوات، و هو ما تتمناه النفس من المشتهيات و تهواه من اللذات بنعيم الابد. الرابع:
رخاء الدعه و منتهى الطمانينه:
اى اتساع سكون النفس بلذه مفارقه الحق و الانس بالملاء الاعلى و امنها من مزعجات الدنيا و راحتها من معافاه آفاتها. الخامس:
تحف الكرامه. و هى ثمرات الجنه و قطوفها الدانيه و ساير ما اعده لتحف اوليائه الابرار مما لاعين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.