و من خطبه له عليه السلام:
اقول:
الفتره:
ما بين زمانى الرساله، و الهجعه:
النومه. و الاعتزام:
العزم، و روى:
اعترام الفتن بالراء المهمله:
اى كثرتها، و روى:
اعتراض من اعترض الفرس الطريق اذا مشى عرضا من غير قصد. و تلظت الحرب:
تلهبت. و التجهم:
العبوس. و الاحقاب:
جمع حقب بضم الحاء و القاف و هو الدهر، و البطان:
حزام البعير للقتب. و صوره هذا الفصل تذكيرهم بنعمه الله تعالى التى نفت ما كانوا فيه من بوس و هى بعثه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و ما استلزمته من الخيرات ليعتبروا فيشكروا و يخلصوا التوجه الى الله تعالى فاشار اولا الى النعمه المذكوره ثم اردفه بالاحوال المذمومه التى تبدلت بتلك النعمه الجسيمه، و عد منها امورا:
احدها:
الفتره من الرسل و ظاهر ان خلو الزمان عن رسول فيه يستلزم وجود الشرور و وقوع الهرج و المرج، و تلك احوال مذمومه يلحق ذلك الزمان بها من الذم بمقدار ما يلحق زمان وجود الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من المدح. الثانى:
طول الهجعه من الاسم:
و كنى بالهجعه عن الغفله فى امر المعاد و ساير المصالح التى ينبغى. الثالث:
الاعتزام من الفتن اما على الروايه الاولى فنسبه العزم الى الفتن مجاز كنى به عن وقوعها بين الخلق المشبه لقصدها اياهم، و على الروايه الثانيه:
اى على كثره من الفتن، و على الروايه الثالثه فالمعنى ان الفتن لما كانت غير واقعه على قانون شرعى و لا نظام مصلحى و لذلك سميت فتنه لاجرم اشبهت المعترض فى الطريق من الحيوان الماشى على غير استقامه، و لذلك استعير لها لفظ الاعتراض. الرابع:
و على انتشار من الامور:
اى تفرق امور الخلق و احوالهم و جريان افعالهم على غير قانون عدلى. الخامس:
التلظى من الحروب. و قد سبق تشبيه الحرب بالنار فلذلك اسند اليها التلظى على سبيل الاستعاره، و كنى بها عن هيجانها و وجودها بينهم زمان الفتره. السادس:
و الدنيا كاسفه، و الواو للحال:
اى كاسف نورها، و نور الدنيا كنايه عن وجود الانبياء و ما ياتون به من الشرايع و ما ينتج عنهم من الاولياء و العلماء كنايه بالمستعار، و وجه المشابهه ما يستلزم النور و وجود الانبياء و الشرايع من الاهتداء بهما، و رشح تلك الاستعاره بذكر الكسوف، و عبر به عن عدم ذلك النور منها ملاحظه لشبهها بالشمس. السابع:
ظاهره الغرور:
اى كل قد اغتر بها و انهمك فى مشتهياتها و خدعته بخوادعها. الثامن:
كونه ارسل على حين اصفرارهن ورقها و اياس من ثمرها و اغورار من ماءها.
استعار لفظ الثمره و الورق لمتاعها و زينتها، و لفظ الاصفرار لتغير تلك الزينه عن العرب فى ذلك الوقت و عدم طلاوه عيشهم اذن و خشونه مطاعمهم كما يذهب حسن الشجره باصفرار ورقها فلا يتلذذ بالنظر اليها و عنى بالاياس من ثمرها انقطاع آمال العرب اذن من الملك و الدوله و ما يستلزمه من الحصول على طيبات الدنيا، و كذلك استعار لفظ الماء لمواد متاع الدنيا و طرق لذاتها و لفظ الاغورار لعدم تلك المواد من ضعف التجارات و المكاسب و عدم التمليك للامصار و كل ذلك لعدم النظام العدلى بينهم و كلها استعارات بالكنايه و وجه الاستعاره الاولى ان الورق كما انه زينه للشجره و به كما له كذلك لذات الدنيا و حياه الدنيا و زينتها، و وجه الثانيه ان الثمر كما انه مقصود الشجره غالبا و غايتها كذلك متاع الدنيا و الانتفاع به و مقصودها المطلوب منها لاكثر الخلق، و وجه الثالثه ان الماء كما انه ماده الشجر و به حياتها و قيامها فى الوجود كذلك مولود تلك اللذات هى المكاسب و التجارات و الصناعات، و قد كانت العرب خاليه من ذلك، و وجوه باقى الاستعارات ظاهره. التاسع:
دروس اعلام الهدى. و كنى باعلام الهدى عن ائمه الدين، و كتبه التى بها يهتدى لسلوك سبيل الله و بدروسها عن م وت اولئك و عدمهم كنايه بالمستعار كما سبق. العاشر:
ظهور اعلام الردى. و هم ائمه الضلال الداعين الى النار. الحادى عشر:
كون الدنيا متجهمه لاهلها عابسه فى وجوه طلابها، و كنى بذلك عن عدم صفائها فان طيب العيس فى الدنيا انما يكون مع وجود نظام العدل و التصفيه بين اهلها و عدم التظالم و ذلك فى زمان الفتره مفقود بين العرب، و هو كنايه بالمستعار، و وجه المشابهه ما يلزم ما يلزمه المستعار عنه و له من عدم تحصيل المطلوب معهما. الثانى عشر:
كون ثمرها الفتنه:
اى غايه سعيهم فيها على خبط فى ظلمات جهلهم انما هو الفتنه:
اى الضلال عن السبيل الله و التيه فى ظلمات الباطل. و غايه كل شى ء هو مقصوده فتشبه الثمره التى هى مقصود الشجره فلذلك استعير لها لفظها. الثالث عشر:
و طعامها الجيفه. يحتمل ان يكون لفظ الجيفه هنا مستعارا لطعام الدنيا و لذاتها، و وجه المشابهه انه لما كانت الجيفه عباره عما انتن و تغيرت رائحته من جثه حيوان و نحوها فخبث ماكله و نفر الطبع عنه كذلك طعام الدنيا و لذاتها فى زمان الفتره اكثر ما يكون من النهب و الغاره و السرقه و نحوها مما يخبث تناوله شرعا و ينفر العقل منه و تاباه كرائم الاخلاق فاشبه ما يحصل من متاعها اذن الجيفه ف ى خبثها و سوء مطعمها و ان كان احد الخبيثين عقليا و الاخر حسيا فاستعير لفظلها له، و يحتمل ان يكنى بالجيفه عما كانوا ياكلون فى الجاهليه من الحيوان غير مذكى و هو ما حرمه القرآن الكريم من ذلك فى قوله:
حرمت عليكم الميته و الدم و لحم الخنزير و ما اهل لغير الله و المخنقه و الموقوذه:
اى المضروبه بالخشب حتى تموت و يبقى الدم فيها فيكون اطيب كما زعم المجوس، و المترديه:
اى التى تردت من علو فماتت. فان كل ذلك اذا مات فكثيرا ما يتعفن و يوكل فيصدق ان طعامهم كان الجيفه. الرابع عشر:
كون شعارها الخوف. الخامس عشر:
كون دثارها السيف. استعار لفظ الشعار للخوف و الدثار للسيف، و وجه الاستعاره الاولى ان الخوف و ان كان من العوارض القلبيه الا انه كثيرا ما يستتبع اضطراب البدن و انفعاله بالرعده فيكون شاملا له شمول ما يتخذه الانسان شعارا، و وجه الثانيه ان الدثار و السيف يشتركان فى مباشره المدثر و المضروب من فوقهما. و قوله:
فاعتبروا عباد الله شروع فى المقصود. فقوله:
و اذكروا تلك. اشاره الى وجه العبره من قبايح الاعمال:
اى تلك الاعمال التى كانت عليها آباوكم و اخوانكم زمان الفتره و زمان دعوه الرسول لكم، و قوله:
فهم بها مرتهنون:
اى محبوسون فى سلاسل الهيئات البدنيه و اغلال ما اكتسبوا منها، و محاسبون عليها. و قوله:
و لعمرى. الى قوله:
ببعيد. الحاق بهم بابائهم فى تشبيه زمانهم بزمانهم و تقارب ما بين الزمانين و تشبيه احوالهم بحالهم فى امور:
احدها:
ان اولئك كانوا آبائكم و ليس زمان الابن و حاله ببعيد من حال ابيه فيما ياتى و يذر. الثانى:
ان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لم يسمعهم شيئا الا و اسمعتكم اياه فلا فرق بينكم و بينهم من هذه الجهه. الثالث:
انه لا تفاوت بين اسماعكم و اسماعهم. الرابع:
ان ساير الالات البدنيه التى كانت لاولئك فاكتسبوا بها كما لا و لم تكتسبوا حاصله لكم ايضا. الخامس:
انكم لم تعلموا شيئا كان آباوكم جهلوه حتى يكون ذلك سببا للفرق بينكم و بينهم. السادس:
و لا اصفيتم من الدينا بشى ء لم يكن لابائكم مثله، و غرضه من الحاقهم بابائهم فى هذه الاحوال امران:
احدهما:
التنفير عن حال من سبق من العاصين بمخالفه او امر الله تعالى. الثانى:
الجذب و الترغيب فى حال من سبق ممن اطاع الله و الرسول فانه اذا حصلت المشابهه بينهم و بين السابقين و المتشبهان يتحدان فى اللوازم كان من تشبه بسابق فى عصيانه لزمه ما لزمه من اليم العقاب، و من تشبه به فى طاعته و انقيا ده لله لزمه مالزمه من الوصول الى جزيل الثواب. و قوله:
و لقد نزلت بكم البليه. يشبه ان يكون انذارا بابتلاء الخلق بدوله بنى اميه و ملوكها، و قوله:
جائلا خطامها. كنايه بالمستعار عن خطرها و صعوبه حال من يركن اليها فانها لما كانت دوله خارجه عن نظام الشريعه جاريه على وفق الاوهام كان الراكن اليهم على خطر فى دينه و نفسه كما ان من ركن الى الناقه التى جال خطامها، اى يثبت فى وجهها و ارتخى حزامها فركبها كان على خطر ان تصرعه فيهلك، ثم اردف ذلك بالنهى عن الاغترار بما اصبح فيه اهل الغفله من متاع الدنيا و طيباتها و نفر عنه باستعاره لفظ الظل له، و وجه المشابه ما يشتركان فيه من كونه ممدودا ينتهى عند اجل و يزول به. و بالله التوفيق.