اقول:
اعورتم:
ابديتم عوراتكم. و العوره:
السوءه و كل ما يستحيى منه. و الفصل يشتمل على الوصيه بامور:
اولها:
تقوى الله تعالى فانها العمده الكبرى فيما يوصى به، ثم بكثره حمده تعالى على آلائه اليهم و نعمائه عليهم و بلائه لديهم. و قد علمت معنى بلائه و انه يكون بالخير و الشر كما قال تعالى (و نبلوكم بالشر و الخير فتنه) و اردف ذلك بتقرير تخصيصهم بنعمته تعالى عليهم و تذكيرهم برحمته. و الرحمه كما يراد بها صفه الله تعالى كذلك يراد بها آثاره الحسنه الخيريه كما هو مراده هنا فى حق عباده. و التى بلفظ كم للتكثير. ثم اردفه بذكر ضروب الرحمه و النعمه فمنها ستره عليهم حيث مجاهرتهم له بالمعصيته التى ينبغى ان يستحيوا منها و موافقتهم لها بمراى منه و مسمع. و منها امالهم ان يبادرهم بالنقمه و يعاجلهم بالعقوبه حيث تعرضوا لاخذه بارتكاب مناهيه و مخالفه اوامره. الثانى:
مما اوصاهم به ذكر الموت و اقلال الغفله عنه. و ذلك لما يستلزم ذكره من الانزجار عن المعاصى، و ذكر المعاد الى الله سبحانه و وعده و وعيده، و الرغبه عن الدنيا و تنقيص لذاتها كما قال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:
اكثروا من ذكر هادم اللذات. و انما استلزم ذكره ذلك لكونه مما يساعد العقل فيه الوهم على ضروره وقوعه مع مساعدته على ما فيه من المشقه الشاقه. ثم استفهمهم عن غفلتهم عنه و طمعهم فيه مع كونه لا يغفلهم و لا يمهلهم استفهام توبيخ على ذلك. و لاجل ما فيه من شده الاعتبار قال:
فكفى واعظا بموتى عاينتموهم. الى قوله:
فصرعتهم. و فى هذا القول زياده موعظه على ذكر الموت و هى شرح احوال من عاينوه من الموتى. و ذكر منها احوالا:
احدها:
كيفيه حملهم الى قبورهم غير راكبين مع كونهم فى صوره ركوب منفور عنه. الثانيه:
انزالهم الى القبور على غير عاده النزول المتعارف المقصود فكانهم فى تلك الحال مع طول مددهم فى الدنيا و عمارتهم لها و ركونهم اليها لم يكونوا لها عمارا و كان الاخره لم تزل دارا. و وجه التشبيه الاول انقطاعهم عنها بالكليه و عدم خيرهم فيها فاشبهوا لذلك من لم يكن فيها. و وجه الثانى كون الاخره هى مستقر هم الدائم الثابت الذى لا معدل عنه فاشبهت فى ذلك المنزل الذى لم يزل له دارا. الثالثه:
ايحاشهم ما كانوا يوطنون من منازل الدنيا و مسالكها. الرابعه:
ايطانهم ما كانوا يوحشون من القبور التى هى اول منازل الاخره. الخامسه:
اشتغالهم بما فارقوا. و ذلك ان النفوس الراكنه الى الدنيا العاشقه لها المقبل ه على الاشتغال بلذاتها يتمكن فى جواهرها ذلك العشق لها و تصير محبتها ملكه و خلقا فيحصل لها بعد المفارقه لما احبته من العذاب به و الشقا الاشقى بالنزوع اليه و عدم التمكن من الحصول عليه اعظم شغل و اقوى شاغل و اصعب بلاء هايل بل تذهل فيه كل مرضعه عما ارضعت و تضع فيه كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. السادسه:
اضاعتهم ما اليه انتقلوا و هى دار الاخره. و معنى اضاعتهم لها تركهم الاسباب الموصله الى ثوابها و المبعده من عقابها. السابعه:
كونهم لا يستطيعون الانتقال عما حصلوا عليه من الافعال القبيحه التى الزمتهم العذاب و اكسبت نفوسهم ملكات السوء. و ذلك ظاهر. اذا لانتقال عن ذلك لا يمكن الا فى دار العمل و هى الدنيا. الثامنه:
و كذلك لا من حسن يستطيعون ازديادا:
اى من الاعمال الحسنه الموجبه للملكات الخيريه و الثواب الدايم كما قال تعالى حكايه عنهم (قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا انها) الايه. التاسعه:
انهم انسوا بالدنيا حتى غرتهم. العاشره:
كونهم وثقوا بها حتى صرعتهم. و السبب فى الاغترار بها و غرورها هم حصول لذاتها المحسوسه مع قربهم من المحسوس و هو مستلزم للانس بها المسلتزم للغرور به ا و الغفله عما وراها و هو مستلزم للوثوق و هو مستلزم لصرعتهم فى مهاوى الهلاك حيث لا يقال عثره و لا ينفع ندامه. و اعلم ان ذكر الموت و ان كان يستلزم الاتعاظ و الانزجار الا ان شرح الاحوال التى تعرض للانسان فى موته ابلغ فى ذلك لما ان كل حال فيها منفور عنها طبعا و ان كانت انما تحصل النفره عنها لكونها حاله تعرض للميت و المقرون بالمولم و المكروه مكروه و مولم و منفور عنه طبعا. الثالث:
مما امرهم به على طريق الوصيه ان يسابقوا الى منازلهم التى امروا ان يعمروها و التى رغبوا فيها و دعوا اليها و هى منازل الجنه و مراتب الابرار فيها. و عمارتها بالاعمال الصالحه الموافقه لمقتضى النواميس الالهيه و تحصيل الكمالات النفسانيه عنها. و المعنى ليسابق بعضكم بعضا الى منازلكم و مراتب درجاتكم من الجنه و عمارتها بتحصيل الكمالات النفسانيه و موافقه الشرع الالهيه. و اليه الاشاره بقوله تعالى (و سارعو الى مغفره من ربكم و جنه عرضها السماوات و الارض اعدت للمتقين) و الترغيب فيها لقوله تعالى (و للدار الاخره خير للذين يتقون افلا يعقلون) و نحوه. الرابعه:
مما امرهم به الصبر على طاعه الله و على مجانيه المعصيه. و رغب بكونه سببا يستتم به نعمه الله عليهم.
و لما كان استلزامه لها كالثمره له و كانت ثمره الصبر حلاوه قدمها ليحلو الصبر بذكرها. و قوله:
فان غدا من اليوم قريب. تخويف من الساعه و قربها. و لم يرد بغد و لا اليوم حقيقتهما بل اراد بغد القيامه و باليوم مده الحياه كقوله فيما سبق:
الا و ان اليوم المضمار و غدا السباق. و هو يجرى مجرى المثل كقولهم:
غد ما غدا، قرب اليوم من غد. و قوله:
ما اسرع الساعات فى اليوم. الى آخره. بيان لقرب الغد الذى كنى به عن القيامه من اليوم فان الساعات سريعه الاتيان و الانقضاء. و سرعتهما مستلزم لسرعه مجى ء اليوم و انقضائه. و سرعتهما مستلزم لسرعه مجى ء الشهر و انقضائه المستلزمين لسرعه مجى ء السنه و انقضائها المستلزمين لسرعه انقضاء عمر العاملين فيه لكن انقضاوه بالقيامه. فاذن الساعات مستلزمه لسرعه انقضاء العمر و قرب غده من يومه. و اتى فى الكل بلفظ التعجب تاكيدا لبيان تلك السرعه. و هو كلام شريف بالغ فى الفصاحه و الموعظه. و بالله التوفيق.