شرح نهج البلاغه

ابن میثم بحرانی

نسخه متنی -صفحه : 542/ 424
نمايش فراداده

قد كان بعدك انباء و هنبثه لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب ابدت رجال لنا نجوى صدورهم لما قضيت و حالت دونك الترب تجهمتنا رجال و استخف بنا اذغبت عنا فنحن اليوم مغتصب قال فلم ير الناس اكثر باكيا و باكيه منهم يومئذ. ثم عدلت الى مسجد الانصار، و قالت:

يا معشر الانصار و اعضاد المله و حضنه الاسلام ما هذه الفتره عن نصرتى و الونيه عن معونتى و الغميزه فى حقى و السنه عن ظلامتى اما قال رسول الله صلى الله عليه و اله:

المرء يحفظ فى ولده. سرعان ما احدثتم، و عجلان ما آتيتم الان مات رسول الله صلى الله عليه و اله امتم دين ه. ها ان موته لعمرى خطب جليل استوسع وهيه و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و اظلمت الارض له، و خشعت الجبال، و اكدت الامال. اضيع بعده الحريم و هتكت الحرمه و ازيلت المصونه، و تلك نازله اعلن بها كتاب الله قبل موته و انباكم بها قبل وفاته فقال:

و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزى الله الشاكرين. ايها بنى قبيله ااهضم تراث ابى و انتم بمراى و مسمع تبلغكم الدعوه و تشملكم الصوت، و فيكم العده و العدد، و لكم الدار و الجنن، و انتم نجبه الله التى انتجت، و خيره الله التى اختار. فاديتم العرب، و ناطحتم الامم، و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الاسالم، و در حلبه و خبث نيران الحرب، و سكنت فوره الشرك، و هدات دعوه الهرج، و استوثق نظام الدين. افتاخرتم بعد الاقدام، و جبنتم بعد الشجاعه عن قوم نكثوا ايمانهم من بعد ايمانهم و طعنوا فى دينكم. فقاتلوا ائمه الكفر انهم الايمان لهم لعلهم ينتهون. الا و قد ارى ان قد اخلدتم الى الخفض و ركنتم الى الدعه و جحدتم الدين و وسعتم الذى سوغتم. و ان تكفروا انتم و من فى الارض جميعا فان الله غنى حميد. الا و قد قلت ما قلت على معر فه منى بالخذله التى خامرتكم و خور القنا و ضعف اليقين فدونكموها فاحتبقوها مدبره الظهور ناقبه الخف باقيه العار موسومه الشنار موصوله بنار الله الموقده التى تطلع على الافئده فبعين الله ما تعملون. و سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون. ثم رجعت الى بيتها و اقسمت ان لا تلكم ابابكر و لتدعون الله عليه، و لم تزل كذلك حتى حضرتها الوفاه فاوصت ان لا يصلى عليها فصلى عليها العباس و دفنت ليلا، و روى انه لما سمع كلامها احمد الله و اثنى عليه و صلى على رسوله، ثم قال:

يا خيره النساء و ابنته خير الاباء و الله ما عدوت راى رسول الله صلى الله عليه و اله و لا علمت الا بامره، و ان الرائد لا يكذب اهله قد قلت فابلغت و اغلظت فاهجرت فغفر الله لنا و لك اما بعد فقد دفعت اله رسول الله صلى الله عليه و اله و دابته و حذاه الى على عليه السلام، و اما ما سوى ذلك فانى سمعت رسول الله صلى الله و عليه و اله يقول:

انا معاشر الانبياء لا نورث ذهبا و لا فضه و لا ارضا و لا عقارا و لا دار و لكنا نورث الايمان و الحمكه و العلم و السنه، و قد عملت بما امرنى و سمعت. فقالت:

ان رسول الله صلى الله عليه و اله قد وهبها لى. قال:

فمن يشهد بذلك. فجاء على بن ابيطالب و ام ايمن فشهدا لها بذلك فجاء عمر بن الخطاب و عبدالرحمن بن عوف فشهدا ان رسول الله صلى الله عليه و اله يقسمها. فقال:

ابوبكر صدقت يا ابنه رسول الله و صدق على و صدقت ام ايمن و صدق عمر و صدق عبدالرحمن، و ذلك ان لك ما لابيك كان رسول الله صلى الله عليه و اله ياخذ من فدك قوتكم و يقسم الباقى و يحمل منه فى سبيل الله، و لك على الله ان اصنع بها كما كان يصنع. فرضيت بذلك و اخذت العهد عليه به. و كان ياخذ غلتها فيدفع اليهم منها ما يكفيهم. ثم فعلت الخلفاء بعده كذلك الى ان ولى معاويه فاقطع مروان ثلثها بعد الحسن عليه السلام. ثم خلصت له فى خلافته و تداولها اولاده الى ان انتهت الى عمر بن عبدالعزيز فردها فى خلافته على اولاد فاطمه عليهاالسلام قالت الشيعه:

فكانت اول ظلامه ردها. و قالت السنه:

بل استخلصها فى ملكه ثم وهبها لهم. ثم اخذت منهم بعده الى ان انقضت دوله بنى اميه فردها عليهم ابوالعباس السفاح. ثم قبضها المنصور. فردها ابنه المهدى. ثم قبضها ولداه موسى و هرون. فلم يزل فى ايدى بنى العباس الى زمن المامون فردها اليهم و بقبت الى عهد المتوكل فاقطعها عبدالله بن عمر البازيار، و روى انه كان فيها احدى عشره نخله غرسها رسول الله صلى الله عليه و اله بيده فكانت بنوفاطمه يهدون ثمرها الى الحاج فيصلونهم عن ذلك بمال جليل فبعث البازيار رجلا فصرمها و عاد الى البصره ففلج، و فى هذه القصه خبط كثير بين الشيعه و مخالفيهم، و لكل من الفريقين كلام طويل. و لنرجع الى المتن. فتقول:

اشار بالنفوس التى شحت بها الى ابى بكر و عمر و اتباعهما، و بالنفوس التى سمحت بها الى وجوه بنى هاشم و من مال ميلهم. التاسع:

استفهم عما يصنع بفدك و غيرها و من القينات الدنيويه استفهام انكار لوجه حاجته اليها تسليه لنفسه عنها و جذبا له عن الدنيا الى الاعمال الصالحه بذكر غايه النفوس منها، و هى صيرورتها الى الجدث، و لوازم تلك الغايه من انقطاع الاثار و غيبه الاخبار فيها و ساير ما عدده من صفات الجدث، و انما عدد هذه الامور لان الاوهام تنفر عنها و تخشع القلوب لذكرها. فتفزع الى الله تعالى و يجذب الى الاعمال الصالحه التى بها الخلاص من اهوال الموت و ما بعده. و الواو فى قوله:

و النفس. للحال. العاشر:

لما نبه على ان فدك و غيرها من قينات الدنيا لا حاجه اليها اشار الى حصر حاجته و غايته لنفسه و هى رياضتها بالتقوى، و الضمير كهو فى قوله فيما سبق:

و انما هى الكوفه. و التقدير:

و انما همتى و حاجتى رياضه نفسى بالتقو ى. و اعلم ان رياضه النفس تعود الى نهيها عن هواها و امرها بطاعه و مولاها و هى ماخوذه من رياضه البهيمه و هى منعها عن الاقدام على حركات غير صالحه لصاحبها و لا موافقه لمراده، و تمرينها على ما يوافق مراده من الحركات، و القوه الحيوانيه التى هى مبدا الادراكات و الافاعيل الحيوانيه فى الانسان اذا لم يكن لها طاعه القوه العاقله ملكه كانت بمنزله بهيمه لم ترض فهى تتبع الشهوه تاره و الغضب اخرى، و غالب احوالها ان تخرج فى حركات عن العدل الى احد طرفى الافراط و التفريط بحسب الدواعى المختلفه و المتوهمه و يستخدم القوه العاقله فى تحصيل مراداتها فتكون هى اماره و العاقله موتمره لها. اما اذا اراضتها القوه العاقله و منعتها عن التخيلات و التوهمات و الاحساسات و الافاعيل المثيره للشهوه و الغضب و مرنتها على ما يقتضيه العقل العملى و ادبتها على طاعته بحيث ياتمر بامرها و ينتهى لها كانت العقليه مطمئنه لا تفعل افعالا مختلفه المبادى و كانت باقى القوى موتمره مسالمه لها. اذا عرفت ذلك فنقول:

لما كان الغرض الاقصى من الرياضه انما هو نيل الكمال الحقيقى، و كان ذلك موقوفا على الاستعداد له، و كان حصول ذلك الاستعداد موقوفا على زوال الموانع الخارجيه و ا لداخليه كان للرياضه اغراض ثلاثه:

احدها:

حذف كل محبوب و مرغوب عدا الحق الاول سبحانه عن درجه الاعتبار و مستن الايثار. و هى الموانع الخارجيه. و الثانى:

تطويع النفس الاماره للنفس المطمئنه ليجذب التخيل والتوهم عن الجانب السفلى الى العلوى و يتبعهما ساير القوى فيزول الدواعى الحيوانيه المذكوره. و هى الموانع الداخيله. الثالث:

بعث السر و توجيهه الى الجنه العاليه لتلقى السوانح الالهيه و تهيئه لقبولها. و يعين على الغرض الاول الزهد الحقيقى و هى الاعراض عن متاع الدنيا و طيباتها بالقلب، و على الثانى العباده المشفوعه بالفكر فى ملكوت السماوات و الارض و ما خلق الله من شى ء و عظمه الخالق سبحانه و الاعمال الصالحه المنويه لوجهه خالصا. و عبر عليه السلام بالتقوى التى روض بها نفسه عن هذه الامور المعينه و الاسباب المعده، و نبه على غرضه الاقصى من الرياضه و هو الكمال الحقيقى و اللذه به لذكربعض لوازمه و هى ان ياتى نفسه آمنه من الفزع يوم الخوف الاكبر و هو يوم القيامه، و ان يثبت على جوانب المزلق و هو الصراط المستقيم فلا تميل به الدواعى المختلفه عنه الى ابواب جهنم و مهاوى الهلاك. و استعار لفظ المزالق:

لمظان زلل اقدام العقول فى الطريق الى ا لله و جذب الميول الشهويه و الغضبيه عنها الى الرذائل الموبقه.

و النسائج:

جمع نسجه بمعنى منسوجه. و الجشع. اشد الحرص على الطعام. و المبطان:

عظيم البطن لكثره الاكل. و غرثى:

جايعه. و البطنه:

الكظه و هى الامتلاء من الطعام العاشر:

نبه على ان زهده فى الدنيا و اقتصاره منها على الطمرين و القرصين و ترك ما سوى ذلك ليس عن عجزه عن تحصيل طيبات مطعوماتها و ملبوساتها، و انه لو شاء لاهتدى الى تحصيل تلك الطيبات و لباب القمح و مصفى العسل لان الهريسه و العسل من اشهر الطيبات بمكه و الحجاز، و انما تركه مع القدره عليه رياضه لنفسه و اعداد لها لتحصيل الكمالات الباقيه. و استثنى هنا نقيض الملزوم و هو عدم غلبه هواه لعقله و عدم قود جشعه له الى تخير الاطعمه، و نبه عن ذلك العدم بقوله:

هيهات. فان ما استبعد وقوعه من نفسه و انكره فقد نفاه عنها وحكم بعدمه. و اما ان ذلك العدم هو نقيض الملزوم بعينه فلان الملزوم هنا هو المشيئه لتخير الطيبات و غلبه الهوى للعقل على مقتضى رايه فى تركها و التنزه عنها وقود الشهوه له الى الموافقه على استعمالها، و المستثنى هيهنا هو عدم ذلك بعينه، و اما جواز استثنائه لنقيض المقدم فلان مشيئه تلك شرط مسا و لتخير الطيبات و الاهتداء اليها، و كان عدمه مستلزما لعدم مشروطه و اكثر استعمال لو فى لغه العرب على وجه ان الملزوم عليه للازمه او شرط مساوله، و يستثنى نقيض الملزوم. و الواو فى قوله: