و ذلك لان العقل يقتضى صيانه العرض و البقاء على حد توقر معه صاحبه و لا يستخف به. و المزاح الذى لا ينبغى يقتضى اضداد ذلك فهو مستلزم لمخالفه العقل و تركه. فاستعار لفظ المج لما يطرحه الانسان من عقله فى مزحه او مزحاته. فكانه قد مجه كما مج الماء من فيه و يلقيه.
اما الاول فلان من تمام الحظ كثره الاخوان للاعانه على صلاح امر المعاش و المعاد. فالزهد فيهم يستلزم نقصان الحظ، و لان مجازاه الرغبه بمثلها فضيله من تمام الخط النفسانى فعدمها يستلزم نقصانه. و اما الثانى فاستلزام الرغبه فى الزاهد فيك للذل و الخضوع له ظاهر. و الكلمتان صغريا ضمير نفر به عن الزهد فى الراغب فيك و الرغبه فيمن يزهدك.
استفهم تعجبا من وجه الجمع بين الانسان و الفخر و نبه على عدم المناسبه بينهما بضمير صغراه قوله:
اوله. الى آخره. و تقدير الكبرى:
و كل من كان كذلك فلا مناسبه بينه و بين الفخر. و روى:
الفخر- منصوبا- على المفعول معه.
و اراد الغنى الحقيقى بالثواب، و الفقر بعدمه فى الاخره.
اراد انهم لم يقولوا الشعر على منهاج واحد حتى يفاضل بينهم بل كان لكل منهم حاله خاصه يجيد فيها و ينبعث فيها قريحه. فواحد يجيد فى الرغبه، و آخر فى الرهبه، و آخر فى النشاط و الطرب. و لذلك قيل:
اشعر العرب امرء القيس اذا ركب، و الاعشى اذا رغب، و النابغه اذا رهب. و استعار لفظ الحلبه و هى القطعه من الخيل يقرن للسباق للطريقه الواحده، و رشح بذكر الاجراء و الغايه و قصبتها و ذلك ان عاده العرب ان يضع قصبه فى آخر المدى فمن سبق اليها و اخذها فاز بالسبق و الغلب. و قوله:
فان كان و لابد. اى من الحكم. و انما حكم له بذلك باعتبار جوده شعره فى اكثر حالاته دون غيره كما روى عنه بروايه اخرى ان ابا الاسود ساله عن اشعر العرب. فقال:
لو رفعت للقوم غايه علمنا من السابق منهم و لكن ان لم يكن فالذى لم يقل عن رغبه و لا رهبه و هو الملك الضليل. و سمى ضليلا لكثره ضلالته و قوتها، و قيل:
لانه تنصر فى آخره عمره. و قيل:
لانه كان كثير التهتك و اعلان الفسق كما فى شعره. و روى عن المنتبى:
ان امرء القيس استدر الناقه و ركبها، و اخذ طرفه ما طاب من لحمها، و اخذ لبيد بامعائها و اكباده، و بقيت عظامها و ارواثها فاقتسمناها نحن. قيل للبيد بن ربيعه:
من اشعر العرب؟ فقال:
الملك الضليل. فقيل:
ثم من؟ قال:
الفتى القليل يعنى طرفه. فقيل:
ثم من؟ فقال:
اشيخ ابوعقيل يعنى نفسه.
اللماظه:
- بضم اللام- ما يبقى فى الفم من الطعام. و لفظها مستعار للدنيا باعتبار قلتها و حقارتها. و دعا الى تركها ثم جذب عنها بضمير صغراه قوله:
فانه. الى قوله:
الجنه. و هو كقوله تعالى (ان الله اشترى من المومنين انفسهم و اموالهم بان له الجنه) و تقدير الكبرى:
و كلما كان ليس لانفسكم ثمن الا هو فينبغى ان لا تبيعوها الا به.
النهم بالفتح:
افراط الشهوه فى الطعام، و لفظه مستعار لشده طلب المتعلم و حرصه على العلم و طلب صاحب الدنيا، و كذلك وصف عدم الشبع بهما. و الكلمه مرويه عن رسول الله صلى الله و عليه و آله:
منهومان لا يشبعان منهوم بالمال و منهوم بالعلم.
اشار من علامات الايمان الى ثلاث:
احدها:
ان يوثر الصدق الضار على الكذب النافع محبه للفضيله و كراهه للرذيله. الثانيه:
ان لا يكون فى حديثه فضل و زياده عن علمه و هو العدل فى القول و الاحتراز من رذيله الكذب. الثالثه:
ان يتقى الله فى حديث غيره فلا تخوض فى عرضه بغيبه او سماعها. و قيل:
اراد ان يحتاط فى الروايه فيروى عنه حديثه كما هو.
المقدار:
القدر. و لما كان الانسان جاهلا باسرار القدر كان بناء تقديره و تدبيره لنفسه على اوهام لاثقه بها فجاز فيما دبره هو لنفسه و اعتقده سببا للمصلحه ان يكون من اسباب مفسدته و هلاكه. و قد مر بيان ذلك.
استعار لهاتين الفضيلتين لفظ التوامين باعتبار استلزام علو الهمه و صدورهما بواسطتها و ذلك ان عالى الهمه يستحقر كل ذنب و مذنب فى حقه فيحلم عنه و يتانى عن المبادره الى مقابلته.