و اما ما قاله بعد قرائه قوله تعالى يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم فانا نذكر بيانه بعد فسر الايه، فنقول: يسال ما معنى قوله ما غرك بربك الكريم كيف طابق الوصف بالكرم انكار الاغترار به، و انما يغتر بالكريم كما يروى عن على عليه السلام انه صيح بغلام له كراب فلم يلبه، فنظر فاذا هو بالباب قائم فقال له: مالك لم تجبنى؟ قال: لثقتى بحلمك و امنى من عقوبتك، و كان فى كسل فاستحسن جوابه و اعتقه.
و قالوا: من كرم الرجل سوء ادب غلمانه.
الجواب: معناه ان حق الانسان ان لا يغتر بتكرم الله عليه بالتفضل الاول، فانه منكر خارج عن حد الحكمه، و لهذا روى: ان النبى صلى الله عليه و آله لما تلاها قال: غره جهله.
و قيل لبعض الزهاد: ان خاطبك الله بهذا ما تقول؟ قال اقول: غرتنى ستورك المرخاه.
و هذا ليس باعتذار كما يظنه الطماع حتى يقولوا: غرنا كرم الكريم، بل هو اعتراف بالخطا فى الاغترار بالستر.
و المعنى: اى شى ء غرك بخالقك و خدعك و سول لك الباطل حتى عصيته و خالفته.
و الكريم هو الذى يعطى ما عليه و ما ليس عليه و لا يطلب ماله، و من كرمه تعالى انه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى بدلها بالحسنات.
و لما قرا اميرالمومنين عليه السلام هذه الاي ه- و كانت متضمنه للاستفهام على سبيل التوبيخ- ذكر اولا ان هذا المسئول لا يكون له حجه و لاعذرو انما كان اغتراره من جهله البليغ الشديد، و الحجه: البرهان الذى يذكر مع تحاج و تخاصم لا للعناد.
و دحض حجته: بطلت، و ادحضها الله.
و دحضت رجله: اى زلقت و زالت عن مكانا.
و المعذره: العذر.
و ابرح: اى جلب الى نفسه شده جهاله، و لقيت منه برحا بارحا اى شده و اذى، و ابرح به فعل ذلك به.
و يجوز ان يكون جهاله نصبا على انه مفعول له، و المعنى جهد نفسه و جلب اليها شده و اذى لجهالته.
و على الوجه الاول يكون جهاله مفعولا به.
وبرح به الامر تبريحا: اى جهده.
و البلول: الصحه، يقال: بل من مرضه يبل بلا و بلولا: اذا صح.
و الضاحى: البارز للشمس.
و يمض: اى يوجع.
و المصائب مهموزه باجماع اهل اللغه، و روى على مصابك.
و بيات نقمته: اتيان عقوبته تعالى فجاه و غفله و ليلا.
و قوله و قد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته تورط اى وقع فى الورطه و هى الهلاك.
و بمعاصيه: اى بمعاصى الله.
و المدرجه: المذهب و المسلك، و الجمع مدارج، و اكثر ما يقال فى مهاوى الهلكه مع فى، وههنا يجوز ان يكون التقدير فى مدارج سطواته اى حملانه، و يكون نصبها بنزع الخافض، و يجوز ان يكون تورطته اي ضا لغه.
و قوله تثمل اى انخذ اقبال الله عليك و رحمته لك مثالا حاله توليك عنه تعالى و انحرافك عن طاعته.
و الكنف: الناحيه.
و طرف بصره يطرف طرفا و مطرفا: اذا اطبق احد جفنيه على الاخر، الواحده من ذلك طرفه.
و المتوازيين: المتساويين، و يقال للقيم بالامر هو ازاوه و هو بازائه اى بحذائه.
و روى متوازنين اى يكون لهذا وزن ذاك.
و تقدير قوله و حقا اقول اى اقول قولا حقا، فهو صفه مصدر محذوف.
و كاشفتك العظات: اى اظهرت الدنيا لك المواعظ.
و كاشفه بالعداوه: اى باداه، و العظات نصب بنزع الخافض، و روى العظات بالرفع على ان يكون فاعل كاشفتك.
و روى كاشفتك الغطاء.
و آذنتك: اى اعلمتك.
و على سواء: اى عدل.
و روى و النقض فى قوتك بالصاد و الضاد.
و لهى اصدق و اوفى: اى الدنيا بما تعدك اى بوعدها اياك من نزول البلاء بك اصدق من ان تكذبك.
و تعرفت ما عند فلان: اى تطلبت حتى عرفت، يقول: و لئن تعرفتها، اى و الله لو طلبت من الدنيا مصلحه لنفسك فى الديار الخاويه، اى الخاليه من اهلها الذين هلكوا و كانوا فى نعمه لتجدن مشفقه عليك من حسن و عظهالك باهلاكها من اطمان اليها.
و الربوع: المنازل.
و الشفيق: المشفق.
و الشحيح: البخيل.
و الراجفه: الواقعه التى ترجف عند ها الارض و الجبال، اى تضطرب، و هى النفخه الاولى، وصفت بما يحدث بحدوثها.
تتبعها الرادفه: اى الواقعه التى تردف الاولى، و هى النفخه الثانيه و يموت جميع الخلق الاحياء بالنفخه الاولى.
و الراجفه: صيحه عظيمه فيها اضطراب و تردد، و يبعث بالنفخه الثانيه الخلق.
و حقت القيامه: اى صارت و ثبتت و تحقق وجودها، يقال: حق الشى ء اى وجب.
و الجليله: المنحه العظيمه، و الجمع جلائل، و جل الشى ء: معظمه.
و روى و حقت بجلائلها اى احيطت بامور عظام.
و المنسك فى الاصل الموضع الذى يذبح فيه النسائك و هى الذبائح، و قرى ء بهما و لكل جعلنا منسكا فبالفتح مصدر بمعنى النسك، و المكسور يكون بمعنى الموضع.
و النسك: العباده، اى لكل جماعه مومنه من الذين سلفوا جعلنا متعبدا و موضع نسك يقصده الناس.
و قوله و لحق بكل منسك اهله يفسره ما بعده، اى و لحق بكل معبود عبدته، يعنى من كان يعبد الله يلحق بثواب الجنه و من عبدالصنم و الوثن يجعلان على بدنه كاحر ما يكون من النار معه فى جهنم.
و يسال على هذا فيقال: ان عيسى قد عبد و الملائكه قد عبدوا، و فى القرآن انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم اى وقودها الناس و حطبها؟.
الجواب: ان هذا الخطاب لاهل مكه، و انما كانوا يعبد ون الاصنام فقال تعالى العابد و المعبود فى النار، فيعذب المشركون بما عبدوها، فيكون زياده فى غمهم و حسرتهم.
و لما نزلت هذه الايات اتى عبدالله بن الزبعرى فقال: يا محمد الست تزعم ان عزيرا رجل صالح و ان عيسى رجل صالح و ان مريم امراه صالحه؟ فقال عليه السلام: بلى.
فقال: هولاء يعبدون من دون الله فهم فى النار، فانزل الله ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اى الموعده بالجنبه اولئك عنها مبعدون.
و انما قرنوا بالهتهم لانهم لا يزالون لمقارنتهم فى زياده غم و حسره حيث اصابهم ما اصابهم بسببهم، و النظر الى وجه العدو باب من العذب، و لانهم قد راوا انهم يستشفعون بهم فى الاخره، فاذا صادفوا الامر على عكس ذلك لم يكن شى ء ابغض اليهم منهم.
و قوله فلم يجر (خرق بصر اسم ما لم يسم فاعله و ما عطف عليه، اى لم يجر) اقل شى ء الابحقه.
و روى و لم يجز و فاعطه خرق بصر.
و العلائق: الاسباب المتصله.
و تحرى: اى اطلب الاحرى و الاجدر.
و شم برق النجاه: انتظر، و التشمير: الجد.