و القيوم من صفات الله هو المدبر، قال الله تعالى و ما من دابه فى الارض الا على الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها.
ثم قال تتلقاه الاذهان لا بمشاعره اى يعرف تعالى من طريق افعاله لا بشى ء من الحواس.
و قيل: المشاعره المماسه فحسب.
و تلقاه: اى استقبله، قال تعالى اذ تلقونه بالسنتكم اى اخذه بعض عن بعض.
و الاذهان جمع ذهن، و هو الفظنه و الحفظ و القوه.
و المشاعر: الحواس، و شاعر كذا: اى علمه بحاسه كمن لمس بيده شيئا يعلم كونه خشنا او لينا او غير ذلك.
و من راى شيئا او سمع او شم او ذاق ثم علم احواله.
و المرائى جمع مرآه على م فعله بالفتح، و هى المنظر الحسن و المنظر (القبيح)، يقال: فلان حسنه المرآه و فلان حسن فى مرآه العين، اى فى المنظر.
و فى الخبر تخبر عن مجهوله مرآته اى ظاهره يدل على باطنه.
وقوله و تشهد له المرائى لا بمحاضره اى يدل جميع ما نراه من الاجسام و الالوان على وجوده تعالى فنعرفه لا بان حضرناه و شاهدناه.
و الحضور و الغيبه يجوزان على الاجسام، و الله تعالى متعال عن صفاتها.
و قوله لم تحط بها الاوهام بل تجلى لهابها و بها امتتع منها و اليها حاكمها اى تجلى الله للاوهام و لاصحابها بالاوهام و خلق اصحابها، لان الاوهام يقع على انه لو لا الله لم يكن و هم و لا صاحب وهم، و يقع الوهم على ان الخالق تعالى لا يقع عليه الوهم.
و الله تعالى حاكم الاوهام الى الاوهام، اى جعلها تحكم و تقضى على انفس الاوهام بانها لا تحيط به و لا تقع على حقيقه.
و المحاكمه: المرافعه الى الحاكم.
و الوهم: الظن الذى يكون مظنونه على خلاف ما يظنه، فلابد من تقدير حذف المضاف من هذا الكلام، و التقدير: لم تحط به تعالى اولو الاوهام.
و لا تناقض بين تجلى لها و بين امتنع منها، لان معرفته تعالى متجليه لتلك الاجسام الحيه العالمه بسببها فانها افعاله تدل عليه و امتنع ادراكه تعالى عليها، فالاثبات يتعلق بشى ء و النفى يرجع الى غيره.
و قيل: ان تجلى بمعنى جلى كقولهم حدث و تحدث، و تقديره جلى و بين بخلق تلك الاشياء لها ربها الحكيم معرفته تعالى، و امتنع ان يكون سبحانه من جملتها، فانه قديم و هى محدثه، و بها علم ذلك على ما قدمناه.
و تحقيق جميع ما ذكرناه مفوض اليها يمكنهم علمه بالدلائل العقليه.
و قوله بعد ذلك و اليها حاكمها، يقول: ان الله حاكم الى هذه الاجسام العاقله فى تصحيح جميع ذلك و ان كل عقال اذا انعم النظر فى نفسه علم صحه ما ذكره، و كل من جعل الحكم بينه و بين غبره فيما بينهما الى ذلك الغير فقد انصف اى اصناف.
و روى بعض الناس و اليها حاكمها و فيها و جهان: اما ان يكون حاكمها فاعل تجلى، و المعنى تجلى لها امر حاكمها و اقتداره، و اليها يتعلق بفعل مضمر.
و اما ان يكون حاكمها مبتدا و اليها خبرها اى و معرفه حاكمها اليها ان نظرت فى انفسها و فى غيرها من افعاله عرفته.
و لا يوحشنك اطناب الكلام فيه، فان فوائد كلامه القصير اكثر من ان تحصى.
ثم قال بعد ذلك: اذا وصفناه تعالى بانه كبير و عظيم فلا يكون المراد منه كبر السن و لا عظم الجسم، بل كبر شانه و عظم ملكه.
و قوله ارسله بوجوب الحجج و ظهور الفلج فالحجه الو جه الذى يكون به الظفر عند الخصومه، و جمعها حجج.
و انما سميت حجه لانها تحج، اى تقصد.
و وجب الشى ء: اى لزم، يجب وجوبا اى ارسل تعالى محمدا صلى الله عليه و آله ببراهين لازمه لا يزيلها شى ء، اى ارسله مويدا بوجوبها و موجودا بالفلج و الظفر و مامورا بايضاح المنهج و ابانه السنه، يقال: فلج على خصمه و افلج، و الاسم الفلج و الفلجه اغرب.
صادعا بها اى مبينا للرساله و مظهرا لها، يقال: صدعت الشى ء اى اظهرته.
و المهجه: قارعه الطريق، و هى المقصد.