و لما كانت سلسه العلم و العرفان لاتنقطع بالكليه مادام نوع الانسان بل لابد من امام حافظ للدين فى كل زمان، استدرك اميرالمومنين- عليه السلام- كلامه هذا بقوله اللهم بلى و فى النهج: لاتخلو الارض من قائم لله بحججه اما ظاهرا مشهورا او خائفا مغمورا.
و فى ف: من قائم بحجه اما ظاهرا مكشوفا او خائفا مفردا، لئلا تبطل حجج الله و بيناته و رواه كتابه.
و الامام الظاهر المشهور كاميرالمومنين- صلوات الله عليه- و الخائف المغمور كالقائم فى زماننا و كباقى الائمه المستورين للخوف و التقيه، و يحتمل ان يكون باقى الائمه- عليهم السلام- داخلين فى الظاهر المشهور.
و كم و اين استبطاء لمده غيبه القائم- عليه السلام- و تبرم من امتداد دوله اعدائه او ابهام لعدد الائمه- عليهم السلام- و زمان ظهورهم و مده دولتهم لعدم المصلحه فى بيانه.
ثم بين- عليه السلام- قله عددهم و عظم قدرهم، و على الثانى يكون الحافظون و المودعون الائمه- عليهم السلام- و على الاول يحتمل ان يكون المراد شيعتهم الحافظين لاديانهم فى غيبتهم.
هجم بهم العلم اى اطلعهم العلم اللدنى على حقائق الاشياء دفعه، و انكشفت لهم حجبها و استارها.
و الروح بالفتح الراحه و الرحمه و النسيم، ا ى وجدو الذه اليقين و هو من رحمته- تعالى- و نسائم لطفه.
و استلانوا ما استوعره المترفون، الوعر من الارض ضد السهل و المترف المنعم، اى استسهلوا ما استصعبه المتنعمون من رفض الشهوات و قطع التعلقات.
و انسوا بما استوحش منه الجاهلون من الطاعات و القربات و المجاهدات فى الدين.
صحبوا الدنيا بابدان- الخ اى و ان كانوا بابدانهم مصاحبين لهذا الخلق، و لكن بارواحهم مبائنون عنهم بل ارواحهم معلقه بقربه و وصاله- تعالى- مصاحبه لمقريى جنابه من الانبياء و الملائكه المقربين.
اولئك خلفاء الله فى ارضه تعريف المسند اليه بالاشاره للدلاله على انه حقيق بما يسند اليه بعدها بسبب اتصافه بالاوصاف المذكوره قبلها كما قالوه فى قوله- تعالى-: اولئك على هدى من ربهم و اولئك هم المفلحون.
و فى نسخ نهج البلاغه: آه، آه و فى سائرها فى بعضها: هاى هاى، و فى بعضها: هاه هاه، و على التقادير الغرض اظهار الشوق اليهم و التوجع على مفارقتهم، و ان لم يرد بعضها فى اللغه ففى العرف شائع.
و انما بينا هذا الخبر قليلا من التبيين لكثره جدواه للطالبين، و ينبغى ان ينظروا فيه كل يوم بنظر اليقين، و سنوضح بعض فوائده فى كتاب الامامه انشاءالله- تعالى-.
بيان: قال ابن ابى الحديد: لعل هذه الكلمه قالها فى جواب سائل: لما اخرت المطالبه لحقك من الامامه؟ فقال- عليه السلام-: لايعاب المرء بتاخير استيفاء حقه و لما كان حق الامامه غير مختص به لان مصالح المسلمين كانت منوطه بها، فلابد من اضمار فى الكلام، اى اذا كان هناك مانع من طلبه.
انتهى.
و يمكن حمله على الحقوق الخالصه كالانتقام و نحوه و استرداد فدك و مثله.
بيان: اى صار معارضا للحق، او تجرد لنصره الحق فى مقابله كل احد.
و يويده ان فى روايه اخرى: هلك عند جهله الناس.
بيان: قوله- عليه السلام- فكيف بهذا اى كيف تملكها بهذا.
قوله- عليه السلام- خصيمهم اى من كان خصمالك منهم فى دعوى الخلافه.
و قال ابن ابى الحديد: حديثه- عليه السلام- فى النثر و النظم المذكورين مع ابى بكر و عمر.
اما النثر فوجه الى عمر لان ابابكر قال لعمر: امدد يدك! قال له عمر: انت صاحب رسول الله- صلى الله عليه و آله- فى المواطن كلها، شدتها و رخائها، فامدد انت يدك! فقال على- عليه السلام-: اذا احتججت لاستحقاقه الامر بصحبته اياه فى المواطن فهلا سلمت الامر الى من قد شركه فى ذلك و قد زاد عليه بالقرابه.
و اما النظم فموجه الى ابى بكر لانه حاج الانصار فى السقيفه فقال: نحن عتره رسول الله و بيضته التى تفقات عنه فلما بويع احتج على الناس بالبيعه و انها صدرت عن اهل الحل و العقد.
فقال على- عليه السلام-: اما احتجاجك على الانصار بانك من بيضه رسول الله- صلى الله عليه و آله- و من قومه فغيرك اقرب نسبا منك اليه.
و اما احتجاجك بالاختيار و رضى الجماعه بك فقد كان قوم من اجله الصحابه غائبين لم يحضروا العقد فكيف ثبت.
بيان: قال ابن ابى الحديد: قال الله- تعالى-: ان الحكم الا لله.
اى اذا اراد الله شيئا من افعاله فلا بد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين.
و تمسكت الخوارج به فى انكارهم عليه فى القول بالتحكيم مع عدم رضاه- عليه السلام- كما ذكر فى السير، و اراد الخوارج نفى كل ما يسمى حكما و هو باطل، لان الله- تعالى- قد امضى حكم كثير من المخلوقين فى كثير من الشرايع.
بيان: قال ابن ابى الحديد: اى اذا قوى امر الاسلام بى قويتما انتما ايضا.
و الاستعانه هنا الفوز و الظفر.
و عونان على العجز و الاود اى العوج.
قال ابن ميثم- رحمه الله-: اى على رفع ما يعرض منهما او حال وجودهما اذ كلمه على تفيد الحال.
و روى ابن ابى الحديد انه قال فى جوابهما: اما المشاركه فى الخلافه فكيف يكون ذلك و هل يصح ان يدبر امر الرعيه امامان و هل يجمع السيفان و يحك فى غمد.
بيان: عطف عليه اى شفقت.
و شمس الفرس شماسا اى منع ظهره، و رجل شموس صعب الخلق.
و ناقه ضروس سيئه الخلق يعض حالبها ليبقى لبنها لولدها.
بيان: مصروع اى مستحق لان يضرع و يهلك و بعيد من نصر الله- سبحانه-.
اقول: قال ابن ميثم: اى لانه مستحق للعباده.
و قال (على)- عليه السلام- فى موضع آخر: الهى ما عبدتك خوفا من عقابك و لا طمعا فى ثوابك، و لكن وجدتك اهلا للعباده فعبدتك.
بيان: وزعه يزعه كفه و منعه.
فلما قال عليه السلام هذا القول فى كلام طويل قد ذكرنا مختاره فى جمله الخطب، تقدم اليه رجلان من اصحابه، فقال احدهما: انى لااملك الا نفسى و اخى فمرنا بامرك يا اميرالمومنين ننفذ له، فقال عليه السلام: و اين تقعان مما اريد؟