إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 138
نمايش فراداده

مسبب الأسباب، فكذلك الدعاء سبب رتبه للهتعالى و أمر به، و قد ذكرنا أن التمسكبالأسباب جريا على سنة الله تعالى لايناقض التوكل، و استقصيناه في كتابالتوكل، فهو أيضا لا يناقض الرضا، لأنالرضا مقام ملاصق للتوكل، و يتصل به.

نعم إظهار البلاء في معرض الشكوى، و إنكاربالقلب على الله تعالى مناقض للرضا. وإظهار البلاء على سبيل الشكر، و الكشف عنقدرة الله تعالى لا يناقض و قد قال بعضالسلف: من حسن الرضا بقضاء الله تعالى أنلا يقول هذا يوم حار. أي في معرض الشكاية، وذلك في الصيف.

فأما في الشتاء فهو شكر. و الشكوى تناقضالرضا بكل حال. و ذم الأطعمة و عيبها يناقضالرضا بقضاء الله تعالى، لأن مذمة الصنعةمذمة للصانع، و الكل من صنع الله تعالى وقول القائل. الفقر بلاء و محنة، و العيالهم و تعب، و الاحتراف كد و مشقة، كل ذلكقادح في الرضا. بل ينبغي أن يسلم التدبيرلمدبره، و المملكة لمالكها، و يقول ماقاله عمر رضي الله عنه: لا أبالي أصبحتغنيا أو فقيرا، فإنى لا أدرى أيهما خيرلي‏

بيان أن الفرار من البلاد التي هي مظانالمعاصي و مذمتها لا يقدح في الرضا

اعلم أن الضعيف قد يظن‏[1] أن نهي رسولالله صلّى الله عليه وسلّم عن الخروج منبلد ظهر به الطاعون، يدل على النهي عنالخروج من بلد ظهرت فيه المعاصي، لأن كلواحد منهما فرار من قضاء الله تعالى، و ذلكمحال: بل العلة في النهي عن مفارقة البلدبعد ظهور الطاعون أنه لو فتح هذا البابلارتحل عنه الأصحاء، و بقي فيه المرضىمهملين، لا متعهد لهم، فيهلكون هزالا وضرا. و لذلك‏[2] شبهه رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم في بعض الأخبار بالفرار منالزحف. و لو كان ذلك للفرار من القضاء لماأذن لمن قارب البلدة في الانصراف. و قدذكرنا حكم ذلك في كتاب التوكل و إذا عرفالمعنى ظهر أن الفرار من البلاد التي هيمظان المعاصي ليس فرارا من القضاء بل منالقضاء الفرار مما لا بد من الفرار منه. وكذلك مذمة المواضع التي تدعو إلىالمعاصي‏

[1] حديث النهى عن الخروج من بلد الطاعون:تقدم في آداب السفر

[2] حديث انه شبه الخروج من بلد الطاعونبالفرار من الزحف: تقدم فيه‏