إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
يشبه بغض المشتوم لمن شتمه، و إن كان شتمهإنما يحصل بتدبيره و اختياره لأسبابه. وفعل الله تعالى ذلك بكل عبد من عبيده، أعنىتسليط دواعي المعصية عليه، يدل على أنهسبقت مشيئته بإبعاده و مقته، فواجب على كلعبد محب لله أن يبغض من أبغضه الله، و يمقتمن مقته الله، و يعادى من أبعده الله عنحضرته، و إن أضطره بقهره و قدرته إلىمعاداته و مخالفته، فإنه بعيد مطرود ملعونعن الحضرة، و إن كان بعيدا بإبعاده قهرا، ومطرودا بطرده و اضطراره. و المبعد عن درجاتالقرب ينبغي أن يكون مقيتا بغيضا إلى جميعالمحبين موافقة للمحبوب بإظهار الغضب علىمن أظهر المحبوب الغضب عليه بإبعاده وبهذا يتقرر جميع ما وردت به الأخبار منالبغض في الله، و الحب في الله، و التشديدعلى الكفار، و التغليظ عليهم، و المبالغةفي مقتهم، مع الرضا بقضاء الله تعالى منحيث إنه قضاء الله عز و جل. و هذا كله يستمدمن سر القدر الذي لا رخصة في إفشائه. و هوأن الشر و الخير كلاهما داخلان في المشيئةو الإرادة، و لكن الشر مراد مكروه، و الخيرمراد مرضي به. فمن قال ليس الشر من الله فهوجاهل، و كذا من قال إنهما جميعا منه من غيرافتراق في الرضا و الكراهة فهو أيضا مقصر.و كشف الغطاء عنه غير مأذون فيه، فالأولىالسكوت و التأدب بأدب الشرع، فقد قال صلّىالله عليه وسلّم[1] «القدر سر الله فلاتفشوه» و ذلك يتعلق بعلم المكاشفة. و غرضناالآن بيان الإمكان فيما تعبد به الخلق، منالجمع بين الرضا بقضاء الله تعالى، و مقتالمعاصي مع أنها من قضاء الله تعالى، و قدظهر الغرض من غير حاجة إلى كشف السر فيه وبهذا يعرف أيضا أن الدعاء بالمغفرة، والعصمة من المعاصي، و سائر الأسبابالمعينة على الدين، غير مناقض للرضا بقضاءالله تعالى، فإن الله تعبد العباد بالدعاءليستخرج الدعاء منهم صفاء الذكر، و خشوعالقلب، و رقة التضرع، و يكون ذلك جلاءللقلب، و مفتاحا للكشف، و سببا لتواترمزايا اللطف. كما أن حمل الكوز، و شربالماء، ليس مناقضا للرضا بقضاء الله تعالىفي العطش. و شرب الماء طلبا لإزالة العطشمباشرة سبب رتبه