و أما[1] النيات الحسنة، فإنه ينوي بهاتباع سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّميوم الجمعة، و ينوي بذلك أيضا تعظيمالمسجد، و احترام بيت الله، فلا يرى أنيدخله زائر الله إلا طيب الرائحة، و أنيقصد به ترويج جيرانه ليستريحوا في المسجدعند مجاورته بروائحه و أن يقصد به دفعالروائح الكريهة عن نفسه التي تؤدى إلىإيذاء مخالطيه، و أن يقصد حسم باب الغيبةعن المغتابين إذا اغتابوه بالروائحالكريهة، فيعصون الله بسببه، فمن تعرضللغيبة و هو قادر على الاحتراز منها فهوشريك في تلك المعصية، كما قيل:
و قال الله تعالى (وَ لا تَسُبُّواالَّذِينَ يَدْعُونَ من دُونِ اللهفَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِعِلْمٍ) أشار به إلى أن التسبب إلى الشر شر.و أن يقصد به معالجة دماغه لتزيد به فطنتهو ذكاؤه و يسهل عليه درك مهمات دينهبالفكر، فقد قال الشافعي رحمه الله: من طابريحه زاد عقله فهذا و أمثاله من النيات لايعجز الفقيه عنها إذا كانت تجارة الآخرة وطلب الخير غالبة على قلبه. و إذا لم يغلبعلى قلبه إلا نعيم الدنيا لم تحضره هذهالنيات، و إن ذكرت له لم ينبعث لها قلبه،فلا يكون معه منها إلا حديث النفس، و ليسذلك من النية في شيء و المباحات كثيرة، ولا يمكن إحصاء النيات فيها، فقس بهذاالواحد ما عداه. و لهذا قال بعض العارفينمن السلف: إنى لأستحب أن يكون لي في كلشيء نية حتى في أكلى، و شربي، و نومى، ودخولي إلى الخلاء. و كل ذلك مما يمكن أنيقصد به التقرب إلى الله تعالى، لأن كل ماهو سبب لبقاء البدن، و فراغ القلب من مهماتالبدن، فهو معين على الدين. فمن قصده منالأكل التقوى على العبادة، و من الوقاعتحصين دينه، و تطييب قلب أهله، و التوصل بهإلى ولد صالح يعبد الله تعالى بعده، فتكثربه أمة محمد صلى الله
[1] حديث ان لبس الثياب الحسنة يوم الجمعةسنة: أبو داود و الحاكم و صححه من حديث أبيهريرة و أبي سعيد من اغتسل يوم الجمعة و مسمن طيب ان كان عنده و لبس أحسن ثيابه-الحديث: و لأبي داود و ابن ماجه من حديث عبدالله بن سلام ما على أحدكم لو اشترى ثوبينليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته و في اسنادهاختلاف و في الصحيحين ان عمر رأى حلة سيراءعند باب المسجد فقال يا رسول الله لواشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة