إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 195
نمايش فراداده

الصدق الأول: صدق اللسان

و ذلك لا يكون إلا في الأخبار. أو فيمايتضمن الأخبار و ينبه عليه، و الخبر إما أنيتعلق بالماضي أو بالمستقبل، و فيه يدخلالوفاء بالوعد و الخلف فيه. و حق على كل عبدأن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق، وهذا هو أشهر أنواع الصدق و أظهرها. فمن حفظلسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ماهي عليه فهو صادق و لكن لهذا الصدق كما لان.أحدهما: الاحتراز عن المعاريض، فقد قيل: فيالمعاريض مندوحة عن الكذب. و ذلك لأنهاتقوم مقام الكذب، إذ المحذور من الكذبتفهيم الشي‏ء على خلاف ما هو عليه في نفسه.إلا أن ذلك مما تمس إليه الحاجة، و تقتضيهالمصلحة في بعض الأحوال، و في تأديبالصبيان و النسوان و من يجرى مجراهم، و فيالحذر عن الظلمة، و في قتال الأعداء والاحتراز عن اطلاعهم على أسرار الملك فمناضطر إلى شي‏ء من ذلك فصدقه فيه أن يكوننطقه فيه لله فيما يأمره الحق به و يقتضيهالدين، فإذا نطق به فهو صادق و إن كانكلامه مفهما غير ما هو عليه، لأن الصدق ماأريد لذاته، بل للدلالة على الحق و الدعاءإليه، فلا ينظر إلى صورته بل إلى معناه نعمفي مثل هذا الموضع ينبغي أن يعدل إلىالمعاريض ما وجد إليه سبيلا[1] كان رسولالله صلّى الله عليه وسلّم إذا توجه إلىسفر ورى بغيره، و ذلك كي لا ينتهى الخبرإلى الأعداء فيقصد. و ليس هذا من الكذب فيشي‏ء. قال رسول الله صلّى الله عليهوسلّم‏[2] «ليس بكذاب من أصلح بين اثنينفقال خيرا أو أنمى خيرا» و رخص في النطقعلى وفق المصلحة في ثلاثة مواضع: من أصلحبين اثنين، و من كان له زوجتان، و من كان فيمصالح الحرب. و الصدق هاهنا يتحول إلىالنية، فلا يراعى فيه إلا صدق النية وإرادة الخير فمهما صح قصده، و صدقت نيته. وتجردت للخير إرادته، صار صادقا و صديقاكيفما كان لفظه ثم التعريض فيه أولى. وطريقه ما حكي عن بعضهم أنه كان يطلبه بعضالظلمة و هو في داره، فقال لزوجته. خطيبإصبعك دائرة، وضعى الإصبع على الدائرة، وقولي ليس‏

[1] حديث كان إذا أراد سفرا ورى بغيره: متفقعليه من حديث كعب بن مالك‏

[2] حديث ليس بكاذب من أصلح بين الناس-الحديث: متفق عليه من حديث أم كلثوم بنتعقبة ابن أبي معيط و قد تقدم‏