إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 41
نمايش فراداده

محب بحبيبه مشغوف، و عن غير حبيبه مصروف. وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر، و ذلك أمرظاهر، و إنما الغموض في تحقيق معناهفلنشتغل به‏

بيان حقيقة المحبة و أسبابها و تحقيق معنىمحبة العبد للَّه تعالى‏

[البحث في معرفة حقيقة المحبة]

اعلم أن المطلب من هذا الفصل لا ينكشف إلابمعرفة حقيقة المحبة في نفسها، ثم معرفةشروطها و أسبابها، ثم النظر بعد ذلك فيتحقيق معناها في حق الله تعالى‏

فأوّل ما ينبغي أن يتحقق أنه لا يتصوّرمحبة إلا بعد معرفة و إدراك

إذ لا يجب الإنسان إلا ما يعرفه، و لذلك لميتصوّر أن يتصف بالحب جماد، بل هو من خاصيةالحي المدرك ثم المدركات في انقسامهاتنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك و يلائمه ويلذه، و إلى ما ينافيه و ينافره و يؤلمه، وإلى ما لا يؤثر فيه بإيلام و إلذاذ. فكل مافي إدراكه لذة و راحة فهو محبوب عندالمدرك، و ما في إدراكه ألم فهو مبغوض عندالمدرك، و ما يخلو عن استعقاب ألم و لذة ولا يوصف بكونه محبوبا و لا مكروها. فإذا كللذيذ محبوب عند الملتذ به و معنى كونهمحبوبا أن في الطبع ميلا إليه. و معنى كونهمبغوضا أن في الطبع نفرة عنه.

فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشي‏ءالملذ، فإن تأكد ذلك الميل و قوي سمي عشقا،و البغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلمالمتعب، فإذا قوي سمي مقتا. فهذا أصل فيحقيقة معنى الحب لا بد من معرفته‏

الأصل الثاني

أن الحب لما كان تابعا للإدراك و المعرفةانقسم لا محالة بحسب انقسام المدركات والحواس، فلكل حاسة إدراك لنوع منالمدركات، و لكل واحد منها لذة في بعضالمدركات. و للطبع بسبب تلك اللذة ميلإليها، فكانت محبوبات عند الطبع السليم.فلذة العين في الإبصار، و إدراك المبصراتالجميلة، و الصور المليحة الحسنةالمستلذة و لذة الأذن في النغمات الطيبةالموزونة. و لذة الشم في الروائح الطيبة. ولذة الذوق في الطعوم.

و لذة اللمس في اللين و النعومة. و لماكانت هذه المدركات بالحواس ملذة كانتمحبوبة أي كان للطبع السليم ميل إليها. حتىقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏[1]«حبّب إليّ من‏

[1] حديث حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء- الحديث: النسائي من حديث أنس دونقوله ثلاث و قد تقدم‏