محب بحبيبه مشغوف، و عن غير حبيبه مصروف. وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر، و ذلك أمرظاهر، و إنما الغموض في تحقيق معناهفلنشتغل به
اعلم أن المطلب من هذا الفصل لا ينكشف إلابمعرفة حقيقة المحبة في نفسها، ثم معرفةشروطها و أسبابها، ثم النظر بعد ذلك فيتحقيق معناها في حق الله تعالى
إذ لا يجب الإنسان إلا ما يعرفه، و لذلك لميتصوّر أن يتصف بالحب جماد، بل هو من خاصيةالحي المدرك ثم المدركات في انقسامهاتنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك و يلائمه ويلذه، و إلى ما ينافيه و ينافره و يؤلمه، وإلى ما لا يؤثر فيه بإيلام و إلذاذ. فكل مافي إدراكه لذة و راحة فهو محبوب عندالمدرك، و ما في إدراكه ألم فهو مبغوض عندالمدرك، و ما يخلو عن استعقاب ألم و لذة ولا يوصف بكونه محبوبا و لا مكروها. فإذا كللذيذ محبوب عند الملتذ به و معنى كونهمحبوبا أن في الطبع ميلا إليه. و معنى كونهمبغوضا أن في الطبع نفرة عنه.
فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيءالملذ، فإن تأكد ذلك الميل و قوي سمي عشقا،و البغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلمالمتعب، فإذا قوي سمي مقتا. فهذا أصل فيحقيقة معنى الحب لا بد من معرفته
أن الحب لما كان تابعا للإدراك و المعرفةانقسم لا محالة بحسب انقسام المدركات والحواس، فلكل حاسة إدراك لنوع منالمدركات، و لكل واحد منها لذة في بعضالمدركات. و للطبع بسبب تلك اللذة ميلإليها، فكانت محبوبات عند الطبع السليم.فلذة العين في الإبصار، و إدراك المبصراتالجميلة، و الصور المليحة الحسنةالمستلذة و لذة الأذن في النغمات الطيبةالموزونة. و لذة الشم في الروائح الطيبة. ولذة الذوق في الطعوم.
و لذة اللمس في اللين و النعومة. و لماكانت هذه المدركات بالحواس ملذة كانتمحبوبة أي كان للطبع السليم ميل إليها. حتىقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[1]«حبّب إليّ من
[1] حديث حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء- الحديث: النسائي من حديث أنس دونقوله ثلاث و قد تقدم