إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 48
نمايش فراداده

صورته الظاهرة و بين من يحب نبيا منالأنبياء لجمال صورته الباطنة السببالخامس: المناسبة الخفية بين المحب والمحبوب إذ ربّ شخصين تتأكد المحبة بينهمالا بسبب جمال أو حظ و لكن بمجرد تناسبالأرواح كما قال صلّى الله عليه وسلّم‏[1]«فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منهااختلف» و قد حققنا ذلك في كتاب آداب الصحبةعند ذكر الحب في الله فليطلب منه. لأنهأيضا من عجائب أسباب الحب، فإذا ترجعأقسام الحب إلى خمسة أسباب و هو حب الإنسانوجود نفسه و كماله و بقائه، و حبه من أحسنإليه فيما يرجع إلى دوام وجوده و بعين علىبقائه و دفع المهلكات عنه، و حبه من كانمحسنا في نفسه إلى الناس و إن لم يكن محسناإليه، و حبه لكل ما هو جميل في ذاته سواءكان من الصور الظاهرة أو الباطنة و حبه لمنبينه و بينه مناسبة خفيفة في الباطن، فلواجتمعت هذه الأسباب في شخص واحد تضاعفالحب لا محالة، كما لو كان للإنسان ولدجميل الصورة، حسن الخلق، كامل العلم، حسنالتدبير، محسن إلى الخلق، و محسن إلىالوالد، كان محبوبا لا محالة غاية الحب، وتكون قوة الحب بعد اجتماع هذه الخصال بحسبقوة هذه الخلال في نفسها، فإن كانت هذهالصفات في أقصى درجات الكمال كان الحب لامحالة في أعلى الدرجات، فلنبين الآن أنهذه الأسباب كلها لا يتصور كمالها واجتماعها إلا في حق الله تعالى فلا يستحقالمحبة بالحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى‏

بيان أن المستحق للمحبة هو الله وحده‏

و أن من أحب غير الله لا من حيث نسبته إلىالله، فذلك لجهله و قصوره في معرفة اللهتعالى، و حب الرسول صلّى الله عليه وسلّممحمود، لأنه عين حب الله تعالى، و كذلك حبالعلماء و الأتقياء، لأن محبوب المحبوبمحبوب و رسول المحبوب محبوب، و محبالمحبوب محبوب، و كل ذلك يرجع إلى حبالأصل، فلا يتجاوزه إلى غيره، فلا محبوببالحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالىو لا مستحق للمحبة سواه. و إيضاحه بأن نرجعإلى الأسباب الخمسة التي ذكرناها، و نبينأنها مجتمعة في حق الله تعالى بجملتها، ولا يوجد في غيره إلا آحادها، و أنها حقيقةفي حق الله تعالى و وجودها في حق غيره و همو تخيل، و هو

[1] حديث فما تعارف منها ائتلف: مسلم منحديث أبي هريرة و قد تقدم في آداب الصحبة