إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 7
نمايش فراداده

فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ من يد من يتقربإلى الله تعالى بما يعطيه أولى، لأنه تفرغللَّه عز و جل. و إعانة للمعطي على نيلالثواب.

و من نظر إلى مجاري سنة الله تعالى، علم أنالرزق ليس على قدر الأسباب. و لذلك سأل بعضالأكاسرة حكيما عن الأحمق المرزوق، والعاقل المحروم، فقال: أراد الصانع أن يدلعلى نفسه. إذ لو رزق كل عاقل، و حرم كلأحمق، لظن أن العقل رزق صاحبه. فلما رأواخلافه علموا أن الرازق غيرهم. و لا ثقةبالأسباب الظاهرة لهم. قال الشاعر


  • و لو كانت الأرزاق تجرى على الحجا هلكنإذا من جهلهن البهائم‏

  • هلكنإذا من جهلهن البهائم‏ هلكنإذا من جهلهن البهائم‏

بيان أحوال المتوكلين في التعلق بالأسباببضرب مثال‏

اعلم أن مثال الخلق مع الله تعالى مثلطائفة من السؤّال وقفوا في ميدان على بابقصر الملك، و هم محتاجون إلى الطعام. فأخرجإليهم غلمانا كثيرة و معهم أرغفة منالخبز، و أمرهم أن يعطوا بعضهم رغيفينرغيفين، و بعضهم رغيفا رغيفا. و يجتهدوا فيأن لا يغفلوا عن واحد منهم و أمر منادياحتى نادى فيهم: أن اسكنوا و لا تتعلقوابغلمانى إذا خرجوا إليكم، بل ينبغي أنيطمئن كل واحد منكم في موضعه، فإن الغلمانمسخرون و هم مأمورون بأن يوصلوا إليكمطعامكم. فمن تعلق بالغلمان و آذاهم و أخذرغيفين، فإذا فتح باب الميدان و خرجأتبعته بغلام يكون موكلا به، إلى أن أتقدملعقوبته في ميعاد معلوم عندي و لكن أخفيه.و من لم يؤذ الغلمان و قنع برغيف واحد أتاهمن يد الغلام، و هو ساكن. فإنى أختصه بخلعةسنية في الميعاد المذكور لعقوبة الآخر. ومن ثبت في مكانه و لكنه أخذ رغيفين فلاعقوبة عليه، و لا خلعة له. و من أخطأهغلماني فما أوصلوا إليه شيئا، فبات الليلةجائعا غير متسخط للغلمان، و لا قائلا ليتهأوصل إليّ رغيفا، فإنى غدا أستوزره وأفوّض ملكى إليه. فانقسم السؤّال إلىأربعة أقسام، قسم غلبت عليهم بطونهم فلميلتفتوا إلى العقوبة الموعودة، و قالوا مناليوم إلى غد فرج، و نحن الآن جائعون،فبادروا إلى الغلمان فآذوهم و أخذواالرغيفين. فسبقت العقوبة إليهم في الميعادالمذكور، فندموا و لم ينفعهم الندم. و قسمتركوا التعلق بالغلمان خوف العقوبة، و لكنأخذوا رغيفين لغلبة الجوع، فسلموا منالعقوبة، و ما فازوا بالخلعة