إن علمتم أيّ موضع هو فاطلبوه. قالوا نسألالله. قال إن علمتم أنه ينساكم فذكّروه.فقالوا ندخل البيت و نتوكل و ننظر ما يكون.فقال التوكل على التجربة شك. قالوا فماالحيلة قال ترك الحيلة.
و قال أحمد بن عيسى الخراز: كنت في الباديةفنالني جوع شديد، فغلبتني نفسي أن أسألالله تعالى طعاما، فقلت ليس هذا من أفعالالمتوكلين فطالبتنى أن أسأل الله صبرا،فلما هممت بذلك سمعت هاتفا يهتف بي ويقول
و يزعم أنه منا قريب
و يسألنا على الاقتار جهدا
كأنا لا نراهو لا يرانا
و أنا لا نضيع منأتانا
كأنا لا نراهو لا يرانا
كأنا لا نراهو لا يرانا
فقد فهمت أن من انكسرت نفسه، و قوي قلبه، ولم يضعف بالجبن باطنه، و قوي إيمانهبتدبير الله تعالى، كان مطمئن النفس أبدا،واثقا باللّه عز و جل. فإن أسوأ حاله أنيموت و لا بد أن يأتيه الموت كما يأتي منليس مطمئنا فإذا تمام التوكل بقناعة منجانب، و وفاء بالمضمون من جانب. و الذي ضمنرزق القانعين بهذه الأسباب التي دبرهاصادق، فاقنع و جرّب تشاهد صدق الوعدتحقيقيا بما يرد عليك من الأرزاق العجيبةالتي لم تكن في ظنك و حسابك. و لا تكن فيتوكلت منتظرا للأسباب، بل لمسبب الأسباب،كما لا تكون منتظرا لقلم الكاتب، بل لقلبالكاتب، فإنه أصل حركة القلم. و المحركالأول واحد، فلا ينبغي أن يكون النظر إلاإليه، و هذا شرط توكل من يخوض البوادي بلازاد، أو يقعد في الأمصار و هو خامل و أماالذي له ذكر بالعبادة و العلم، فإذا قنع فياليوم و الليلة بالطعام مرة واحدة كيف كانو إن لم يكن من اللذائذ، و ثوب خشن يليقبأهل الدين، فهذا يأتيه من حيث يحتسب و لايحتسب على الدوام. بل يأتيه أضعافه. فتركهالتوكل و اهتمامه بالرزق غاية الضعف والقصور، فإن اشتهاره بسبب ظاهر يجلب الرزقإليه أقوى من دخول الأمصار في حق الخامل معالاكتساب. فالاهتمام بالرزق قبيح بذوىالدين، و هو بالعلماء أقبح، لأن شرطهمالقناعة، و العالم القانع يأتيه رزقه ورزق جماعة كثيرة و إن كانوا معه، إلا إذاأراد أن لا يأخذ من أيدي الناس و يأكل منكسبه، فذلك له وجه لائق بالعالم العاملالذي سلوكه بظاهر العلم و العمل، و لم يكنله سير بالباطن. فإن الكسب يمنع عن السيربالفكر الباطن