إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 73
نمايش فراداده

فقد عرفت بما ذكرناه معنى المحبة و معنىالعشق، فإنه المحبة المفرطة القوية. ومعنى لذة المعرفة، و معنى الرؤية، و معنىلذة الرؤية، و معنى كونها ألذ من سائراللذات عند ذوي العقول و الكمال و إن لمتكن كذلك عند ذوي النقصان، كما لم تكنالرئاسة ألذ من المطعومات عند الصبيان فإنقلت: فهذه الرؤية محلها القلب أو العين فيالآخرة

فاعلم أن الناس قد اختلفوا في ذلك. و أربابالبصائر لا يلتفتون إلى هذا الخلاف و لاينظرون فيه، بل العاقل يأكل البقل و لايسأل عن المبقلة، و من يشتهي رؤية معشوقهيشغله عشقه عن أن يلتفت إلى أن رؤيته تخلقفي عينه أو في جبهته، بل يقصد الرؤية ولذتها سواء كان ذلك بالعين أو غيرها، فإنالعين محل و ظرف لا نظر إليه و لا حكم له. والحق فيه أن القدرة الأزلية واسعة، فلايجوز أن نحكم عليها بالقصور عن أحدالأمرين، هذا في حكم الجواز. فأما الواقعفي الآخرة من الجائزين فلا يدرك إلابالسمع، و الحق ما ظهر لأهل السنة والجماعة من شواهد الشرع أن ذلك يخلق فيالعين‏[1] ليكون لفظ الرؤية و النظر و سائرالألفاظ الواردة في الشرع مجرى على ظاهرهإذ لا يجوز إزالة الظواهر إلا لضرورة والله تعالى أعلم‏

بيان (الأسباب المقوية لحب الله تعالى)

اعلم أن أسعد الخلق حالا في الآخرة أقواهمحبا للَّه تعالى، فإن الآخرة معناهاالقدوم على الله تعالى و درك سعادة لقائه،و ما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبهبعد طول شوقه و تمكن من دوام مشاهدته أبدالآباد من غير منغص و مكدّر، و من غير رقيبو مزاحم و من غير خوف انقطاع إلا أن هذاالنعيم على قدر قوة الحب. فكلما ازدادتالمحبة ازدادت اللذة. و إنما يكتسب العبدحب الله تعالى في الدنيا و أصل الحب لاينفك عنه مؤمن، لأنه لا ينفك عن أصلالمعرفة. و أما قوّة الحب و استيلاؤه حتىينتهى إلى الاستهتار الذي يسمى عشقا، فذلكينفك عنه الأكثرون.

و إنما يحصل ذلك بسببين‏

[1] حديث رؤية الله في الآخرة حقيقة: متفقعليه من حديث أبي هريرة ان الناس قالوا يارسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هلتضارون في رؤية القمر ليلة البدر- الحديث: