إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
يخلو عنها البتة. نعم قد تضعف هذه العوائقفي بعض الأحوال و لا تدوم، فلا جرم يلوح منجمال المعرفة ما يبهت العقل، و تعظم لذتهبحيث يكاد القلب يتفطر لعظمته. و لكن يكونذلك كالبرق الخاطف و قلما يدوم. بل يعرض منالشواغل و الأفكار و الخواطر ما يشوقه وينغصه، و هذه ضرورة دائمة في هذه الحياةالفانية، فلا تزال هذه اللذة منغصة إلىالموت. و إنما الحياة الطيبة بعد الموت، وإنما العيش عيش الآخرة (وَ إِنَّ الدَّارَالْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْكانُوا يَعْلَمُونَ. و كل من انتهى إلى هذه الرتبة فإنه يحبلقاء الله تعالى، فيحب الموت و لا يكرههإلا من حيث ينتظر زيادة استكمال فيالمعرفة، فإن المعرفة كالبذر، و بحرالمعرفة لا ساحل له، فالإحاطة بكنه جلالالله محال. فكلما كثرت المعرفة باللّه، وبصفاته و أفعاله، و بأسرار مملكته و قويت،كثر النعيم في الآخرة و عظم، كما أنه كلماكثر البذر و حسن، كثر الزرع و حسن. و لايمكن تحصيل هذا البذر إلا في الدنيا، و لايزرع إلا في صعيد القلب، و لا حصاد إلا فيالآخرة. و لهذا قال رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم[1] «أفضل السّعادات طول العمرفي طاعة الله» لأن المعرفة إنما تكمل وتكثر و تنسع في العمر الطويل بمداومةالفكر، و المواظبة على المجاهدة، والانقطاع عن علائق الدنيا، و التجردللطلب. و يستدعى ذلك زمانا لا محالة فمنأحب الموت أحبه لأنه رأى نفسه واقفا فيالمعرفة. بالغا إلى منتهى ما يسر له. و منكره الموت كرهه لأنه كان يؤمل مزيد معرفةتحصل له بطول العمر، و رأى نفسه مقصرا عمااحتمله قوّته لو عمّر. فهذا سبب كراهةالموت و حبه عند أهل المعرفة، و أما سائرالخلق فنظرهم مقصور على شهوات الدنيا، إناتسعت أحبوا البقاء، و إن ضاقت تمنواالموت. و كل ذلك حرمان و خسران مصدره الجهلو الغفلة. فالجهل و الغفلة مغرس كل شقاوة والعلم و المعرفة أساس كل سعادة