فإن القلب مثل الإناء الذي لا يتسع للخلمثل ما لم يخرج منه الماء (ما جَعَلَ اللهلِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ) وكمال الحب في أن يحب الله عز و جل بكل قلبه،و ما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبهمشغولة بغيره. فبقدر ما يشغل بغير اللهينقص منه حب الله. و بقدر ما يبقى من الماءفي الإناء ينقص من الخل المصبوب فيه. و إلىهذا التفريد و التجريد الإشارة بقولهتعالى (قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فيخَوْضِهِمْ) و بقوله تعالى (إِنَّالَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّاسْتَقامُوا) بل هو معنى قولك لا إله إلاالله، أي لا معبود و لا محبوب سواه، فكلمحبوب فإنه معبود فإن العبد هو المقيد، والمعبود هو المقيد به، و كل محب فهو مقيدبما يحبه. و لذلك قال الله تعالى (أَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وقال صلّى الله عليه وسلّم «أبغض إله عبد فيالأرض الهوى» و لذلك قال عليه السلام
«من قال لا إله إلّا الله مخلصا دخلالجنّة» و معنى الإخلاص أن يخلص قلبهللَّه، فلا يبقى فيه شرك لغير الله فيكونالله محبوب قلبه، و معبود قلبه، و مقصودقلبه فقط و من هذا حاله فالدنيا سجنه،لأنها مانعة له من مشاهدة محبوبه. و موتهخلاص من السجن و قدوم على المحبوب. فما حالمن ليس له إلا محبوب واحد، و قد طال إليهشوقه، و تمادى عنه حبسه، فخلى من السجن، ومكن من المحبوب، و روّح بالأمن أبدالآباد
فأحد أسباب ضعف حب الله في القلوب قوّة حبالدنيا، و منه حب الأهل، و المال، و الولد،و الأقارب، و العقار، و الدواب، والبساتين، و المنتزهات، حتى أن المتفرحبطيب أصوات الطيور و روح نسيم الأسحارملتفت إلى نعيم الدنيا، و متعرض لنقصان حبالله تعالى بسببه. فبقدر ما أنس بالدنيافينقص أنه باللّه، و لا يؤتى أحد من الدنياشيئا إلا و ينقص بقدره من الآخرةبالضرورة، كما أنه لا يقرب الإنسان منالمشرق إلا و يبعد بالضرورة من المغرببقدره، و لا يطيب قلب امرأته إلا و يضيق بهقلب ضرتها. فالدنيا و الآخرة ضرتان، و هماكالمشرق و المغرب، و قد انكشف ذلك لذويالقلوب انكشافا
[1] حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخلالجنة: تقدم