إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 9
نمايش فراداده

إلا بالقدر الذي يدرك به من يستحقه ويحتاج إليه، فيدخره على هذه النية. فهذا هوالوفي بموجب التوكل كل تحقيقا، و هيالدرجة العليا الحالة الثانية: المقابلةلهذه، المخرجة له عن حدود التوكل، أن يدخرلسنة فما فوقها. فهذا ليس من المتوكلينأصلا. و قد قيل: لا يدخر من الحيوانات إلاثلاثة: الفأرة، و النملة. و ابن آدم الحالةالثالثة: أن يدخر لأربعين يوما فما دونها.فهذا هل يوجب حرمانه من المقام المحمودالموعود في الآخرة للمتوكلين اختلفوافيه. فذهب سهل إلى أنه يخرج عن حد التوكل.

و ذهب الخوّاص إلى أنه لا يخرج بأربعينيوما، و يخرج بما يزيد على الأربعين. و قالأبو طالب المكي لا يخرج عن حد التوكلبالزيادة على الأربعين أيضا و هذا اختلافلا معنى له بعد تجويز أصل الادخار. نعميجوز أن يظن ظان أن أصل الادخار يناقضالتوكل. فأما التقدير بعد ذلك فلا مدرك له.و كل ثواب موعود على رتبة فإنه يتوزع علىتلك الرتبة و تلك الرتبة لها بداية ونهاية. و يسمى أصحاب النهايات السابقين، وأصحاب البدايات أصحاب اليمين. ثم أصحاباليمين أيضا على درجات. و كذلك السابقون. وأعالى درجات أصحاب اليمين تلاصق أسافلدرجات السابقين، فلا معنى للتقدير في مثلهذا. بل التحقيق أن التوكل بترك الادخار لايتم إلا بقصر الأمل و أما عدم آمال البقاءفيبعد اشتراطه و لو في نفس، فإن ذلككالممتنع وجوده.

أما الناس فمتفاوتون في طول الأمل و قصره

و أقل درجات الأمل يوم و ليلة فما دونه منالساعات.

و أقصاه ما يتصور أن يكون عمر الإنسان. وبينهما درجات لا حصولها. فمن لم يؤمل أكثرمن شهر أقرب إلى المقصود ممن يؤمل سنة. وتقييده بأربعين لأجل ميعاد موسى عليهالسلام بعيد، فإن تلك الواقعة ما قصد بهابيان مقدار ما رخص الأمل فيه، و لكناستحقاق موسى لنيل الموعود كان لا يتم إلابعد أربعين يوما، لسرّ جرت به و بأمثالهسنّة الله تعالى في تدريج الأمور، كما قالعليه السلام «إنّ الله‏[1] خمر طينة آدمبيده أربعين صباحا» لأن استحقاق تلكالطينة التخمر كان موقوفا على مدة مبلغهاما ذكر فإذا ما وراء السنة لا يدخر له إلابحكم ضعف القلب و الركون إلى ظاهرالأسباب، فهو خارج‏

[1] حديث حمر طينة آدم بيده أربعين صباحا:أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس منحديث ابن مسعود و سلمان الفارسي بإسنادضعيف جدا و هو باطل‏