إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
عن مقام التوكل، غير واثق بإحاطة التدبيرمن الوكيل الحق بخفايا الأسباب، فإن أسبابالدخل في الارتفاعات و الزكوات تتكرربتكرر السنين غالبا. و من ادخر لأقل من سنةفله درجة بحسب قصر أمله و من كان أملهشهرين لم تكن درجته كدرجة من أمّل شهرا، ولا درجة من أمل ثلاثة أشهر، بل هو بينهمافي الرتبة. و لا يمنع من الادخار إلا قصرالأمل، فالأفضل أن لا يدخر أصلا و إن ضعفقلبه، فكلما قلّ ادخاره كان فضله أكثر. وقد روي في[1] الفقير الذي أمر صلّى اللهعليه وسلّم عليا كرم الله وجهه و أسامة أنيغسلاه، فغسلاه و كفناه ببردته، فلما دفنهقال لأصحابه «إنّه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر و لو لا خصلة كانتفيه لبعث و وجهه كالشّمس و الضّاحية» قلناو ما هي يا رسول الله قال «كان صوّاماقواما كثير الذّكر للَّه تعالى غير أنّهكان إذا جاء الشّتاء ادّخر حلّة الصّيفلصيفه و إذا جاء الصّيف ادّخر حلّةالشّتاء لشتائه» ثم قال صلّى الله عليهوسلّم «بل أقلّ ما أوتيتم اليقين و عزيمةالصبر» الحديث. و ليس الكوز و الشفرة و مايحتاج إليه على الدوام في معنى ذلك فإنادخاره لا ينقص الدرجة و أما ثوب الشتاءفلا يحتاج إليه في الصيف. و هذا في حق من لاينزعج قلبه بترك الادخار، و لا تستشرفنفسه إلى أيدي الخلق، بل لا يلتفت قلبه إلاإلى الوكيل الحق. فإن كان يستشعر في نفسهاضطرابا يشغل قلبه عن العبادة، و الذكر، والفكر، فالادخار له أولى. بل لو أمسك ضيعةيكون دخلها وافيا بقدر كفايته، و كان لايتفرغ قلبه إلا به، فذلك له أولى، لأنالمقصود إصلاح القلب ليتجرد لذكر الله، ورب شخص يشغله وجود المال، و رب شخص يشغلهعدمه و المحذور ما يشغل عن الله عز و جل وإلا فالدنيا في عينها غير محذورة لاوجودها و لا عدمها. و لذلك بعث رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم إلى أصناف الخلق، وفيهم التجار و المحترفون و أهل الحرف والصناعات، فلم يأمر التاجر بترك تجارته، ولا المحترف بترك حرفته، و لا أمر التاركلهما بالاشتغال بهما. بل دعا الكل إلى اللهتعالى، و أرشدهم إلى أن فوزهم و نجاتهم فيانصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله