تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 1 -صفحه : 839/ 591
نمايش فراداده

الفصل الحادي عشر في أن عالم الحوادثالفعلية إنما يتم بالفكر

(1) اعلم أنّ عالم الكائنات يشتمل على ذواتمحضة، كالعناصر و آثارها و المكوّناتالثّلاثة عنها، الّتي هي المعدن و النباتو الحيوان. و هذه كلّها متعلّقات القدرةالإلهيّة و على أفعال صادرة عن الحيوانات،واقعة بمقصودها، متعلّقة بالقدرة الّتيجعل الله لها عليها: فمنها منتظم مرتّب، وهي الأفعال البشريّة، و منها غير منتظم ولا مرتّب، و هي أفعال الحيوانات غير البشر.و ذلك الفكر يدرك الترتيب بين الحوادثبالطّبع أو بالوضع، فإذا قصد إيجاد شي‏ءمن الأشياء، فلأجل الترتيب بين الحوادث لابدّ من التفطّن بسببه أو علّته أو شرطه، وهي على الجملة مبادئه، إذ لا يوجد إلّاثانيا عنها و لا يمكن إيقاع المتقدّممتأخّرا و لا المتأخر متقدّما. و ذلكالمبدأ قد يكون له مبدأ آخر من تلك المبادئلا يوجد إلّا متأخّرا عنه، و قد يرتقي ذلكأو ينتهي. فإذا انتهى إلى آخر المبادئ فيمرتبتين أو ثلاث أو أزيد، و شرع في العملالّذي يوجد به ذلك الشّي‏ء بدأ بالمبدإالأخير الّذي انتهى إليه الفكر، فكان أوّلعمله. ثمّ تابع ما بعده إلى آخر المسبّباتالّتي كانت أوّل فكرته. مثلا: لو فكّر فيإيجاد سقف يكنّه انتقل بذهنه إلى الحائطالّذي يدعمه، ثمّ إلى الأساس الّذي يقفعليه الحائط فهو آخر الفكر. ثمّ يبدأ فيالعمل بالأساس، ثمّ بالحائط، ثمّ بالسّقف.

و هو آخر العمل.

و هذا معنى قولهم: (أوّل العمل آخر الفكرة،و أوّل الفكرة آخر العمل)، فلا يتمّ فعلالإنسان في الخارج إلّا بالفكر في هذهالمرتّبات لتوقّف بعضها على‏

(1) هذا الفصل غير موجود في طبعة بولاق وبعض الطبعات الأخرى. نقلناه عن الطبعةالباريسية تحقيق وردت بعد: «فصل في الفكرالإنساني».