تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
بعض. ثمّ يشرع في فعلها. و أوّل هذا الفكرهو المسبّب الأخير، و هو آخرها في العمل. وأوّلها في العمل هو المسبّب الأوّل و هوآخرها في الفكر. و لأجل العثور على هذاالترتيب يحصل الانتظام في الأفعالالبشريّة.و أمّا الأفعال الحيوانيّة لغير البشرفليس فيها انتظام لعدم الفكر الّذي يعثربه الفاعل على التّرتيب فيما يفعل، إذالحيوانات إنّما تدرك بالحواسّ ومدركاتها متفرّقة خليّة من الرّبط لأنّهلا يكون إلّا بالفكر. و لمّا كانت الحواسّالمعتبرة في عالم الكائنات هي المنتظمة، وغير المنتظمة إنّما هي تبع لها، اندرجتحينئذ أفعال الحيوانات فيها، فكانتمسخّرة للبشر. و استولت أفعال البشر علىعالم الحوادث، بما فيه، فكان كلّه فيطاعته و تسخّره. و هذا معنى الاستحلافالمشار إليه في قوله تعالى: «إِنِّيجاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 (1)»فهذا الفكر هو الخاصّة البشريّة الّتيتميّز بها البشر عن غيره من الحيوان. و علىقدر حصول الأسباب و المسبّبات في الفكرمرتّبة تكون إنسانيّته. فمن النّاس منتتوالى له السببيّة في مرتبتين أو ثلاث، ومنهم من لا يتجاوزها، و منهم من ينتهي إلىخمس أو ست فتكون إنسانيّته أعلى. و اعتبرذلك بلاعب الشّطرنج: فإنّ في اللاعبين منيتصوّر الثّلاث حركات و الخمس الّذيترتيبها وضعيّ، و منهم من يقصّر عن ذلكلقصور ذهنه. و إن كان هذا المثال غيرمطابق، لأنّ لعب الشّطرنج بالملكة، ومعرفة الأسباب و المسبّبات بالطبع، لكنّهمثال يحتذي به الناظر في تعقّل ما يوردعليه من القواعد. و الله خلق الإنسان وفضّله على كثير ممّن خلق تفضيلا.