تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
حال الفنّ في حدوثه و كيف تدرّج كلامالنّاس فيه صدرا بعد صدر و كلّهم يفرضالعقائد صحيحة و يستنهض الحجج و الأدلّةعلمت حينئذ ما قرّرناه لك في موضوع الفنّ وأنّه لا يعدوه. و لقد اختلطت الطّريقتانعند هؤلاء المتأخّرين و التبست مسائلالكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميّز أحدالفنّين من الآخر. و لا يحصل عليه طالبه منكتبهم كما فعله البيضاويّ في الطّوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميعتآليفهم. إلّا أنّ هذه الطّريقة قد يعنىبها بعض طلبة العلم للاطّلاع على المذاهبو الإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها.و أمّا محاذاة طريقة السّلف بعقائد علمالكلام فإنّما هو في الطّريقة القديمةللمتكلّمين و أصلها كتاب الإرشاد و ما حذاحذوه. و من أراد إدخال الرّدّ على الفلاسفةفي عقائده فعليه بكتب الغزاليّ و الإمامابن الخطيب فإنّها و إن وقع فيها مخالفةللاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط فيالمسائل و الالتباس في الموضوع ما فيطريقة هؤلاء المتأخّرين من بعدهم و علىالجملة فينبغي أن يعلم أنّ هذا العلمالّذي هو علم الكلام غير ضروريّ لهذاالعهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا و الأئمّة، من أهلالسّنّة كفونا شأنهم فيما كتبوا و دوّنواو الأدلّة العقليّة إنّما احتاجوا إليهاحين دافعوا و نصروا. و أمّا الآن فلم يبقمنها إلّا كلام تنزّه البارئ عن كثيرإيهاماته و إطلاقه و لقد سئل الجنيد رحمهالله عن قوم مرّ بهم بعض المتكلّمينيفيضون فيه فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قومينزّهون الله بالأدلّة عن صفات الحدوث وسمات النّقص. فقال: «نفي العيب حيث يستحيلالعيب عيب» لكنّ فائدته في آحاد النّاس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحاملالسّنّة الجهل بالحجج النّظريّة علىعقائدها. و الله وليّ المؤمنين