المشهور التّخابث و الكيد و سببه ماقلناه. فينبغي للمعلّم في متعلّمه والوالد في ولده أن لا يستبدّا (1) عليهما فيالتّأديب. و قد قال محمّد بن أبي زيد فيكتابه الّذي ألّفه في حكم المعلّمين والمتعلّمين: «لا ينبغي لمؤدّب الصّبيان أنيزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثةأسواط شيئا». و من كلام عمر رضي الله عنه:
«من لم يؤدّبه الشّرع لا أدّبه الله».حرصا على صون النّفوس عن مذلّة التّأديب وعلما بأنّ المقدار الّذي عيّنه الشّرعلذلك أملك له فإنّه أعلم بمصلحته. و منأحسن مذاهب التّعليم ما تقدّم به الرّشيدلمعلّم ولده. قال خلف الأحمر: بعث إليّالرشيد في تأديب ولده محمّد الأمين فقال:«يا أحمر إنّ أمير المؤمنين قد دفع إليكمهجة نفسه و ثمرة قلبه فصيّر يدك عليهمبسوطة و طاعته لك واجبة و كن له بحيث وضعكأمير المؤمنين أقرئه القرآن و عرفهالأخبار و روّه الأشعار و علّمه السّنن وبصّره بمواقع الكلام و بدئه و امنعه منالضّحك إلّا في أوقاته و خذه بتعظيم مشايخبني هاشم إذا دخلوا عليه و رفع مجالسالقوّاد إذا حضروا مجلسه. و لا تمرّنّ بكساعة إلّا و أنت مغتنم فائدة تفيده إيّاهامن غير أن تحزنه فتميت ذهنه.
و لا تمعن في مسامحته فيستجلي الفراغ ويألفه. و قوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشّدّة والغلظة». انتهى.
و السّبب في ذلك أنّ البشر يأخذون معارفهمو أخلاقهم و ما ينتحلون به من المذاهب والفضائل: تارة علما و تعليما و إلقاء وتارة محاكاة و تلقينا بالمباشرة.
إلّا أنّ حصول الملكات عن المباشرة والتّلقين أشدّ استحكاما و أقوى رسوخا.فعلى
(1) و في النسخة الباريسية: يشدوا عليهم وفي نسخة أخرى: يستبدوا.