الذهول و الدهش لأمر النبوة و تردّد الوحيو تنزل الملائكة، فلما انحسر ذلك العباب وتنوسي الحال بعض الشيء و ذلّ العدو واستفحل الملك، كانت عروق الجاهلية تنفض ووجدوا الرئاسة عليهم للمهاجرين و الأنصارمن قريش و سواهم، فأنفت نفوسهم منه، و وافقأيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاتهبالأمصار، و المؤاخذة لهم باللحظات والخطرات، و الاستبطاء (1) عليهم في الطاعاتو التجني بسؤال الاستبدال منهم و العزل، ويفيضون في النكير على عثمان. و فشت المقالةفي ذلك من أتباعهم و تنادوا بالظلم منالأمراء في جهاتهم و انتهت الأخبار بذلكإلى الصحابة بالمدينة، فارتابوا لها وأفاضوا في عزل عثمان و حمله على عزلأمرائه. و بعث الى الأمصار من يأتيه بصحيحالخبر: محمد بن مسلمة إلى الكوفة، و أسامةبن زيد إلى البصرة، و عبد الله بن عمر إلىالشام، و عمّار بن ياسر إلى مصر و غيرهمإلى سوى هذه، فرجعوا إليه فقالوا: ماأنكرنا شيئا و لا أنكره أعيان المسلمين ولا عوامهم إلا عمّارا فإنه استماله قوم منالأشرار انقطعوا إليه منهم عبد الله بنسبإ و يعرف بابن السوداء، كان يهوديا وهاجر أيام عثمان فلم يحسن إسلامه و أخرج منالبصرة فلحق بالكوفة ثم بالشام و أخرجوهفلحق بمصر، و كان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السرّ لأهل البيت و يقول: إن محمدايرجع كما يرجع عيسى. و عنه أخذ ذلك أهلالرجعة، و إنّ عليّا وصيّ رسول الله صلّىالله عليه وسلّم حيث لم يجز وصيته و إنّعثمان أخذ الأمر بغير حق، و يحرّض الناسعلى القيام في ذلك و الطعن على الأمراء.
فاستمال الناس بذلك في الأمصار و كاتب بهبعضهم بعضا، و كان معه خالد بن ملجم وسودان بن حمران و كنانة بن بشر فثبطواعمارا عن المسير الى المدينة.
و كان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذرمن الشام و من المدينة إلى الرَّبَذَة، وكان الّذي دعا إلى ذلك شدّة الورع من أبيذر و حمله الناس على شدائد الأمور و الزهدفي الدنيا و انه لا ينبغي لأحد أن يكونعنده أكثر من قوت يومه، و يأخذ بالظاهر فيذم الادّخار بكنز الذهب و الفضة. و كان ابنسبإ يأتيه فيغريه بمعاوية و يعيب (2) قولهالمال مال الله، و يوهم أنّ في ذلك احتجانهللمال و صرفه على المسلمين، حتى
(1) و في النسخة الباريسية: و الاشتضاط (2) و في النسخة الباريسية: و نقيم.