امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 3 -صفحه : 703/ 392
نمايش فراداده

لذلك، و تبيّن هنا- أيضا- أنّ الجهادالمقصود لم يكن واجبا عينيا، فلو كانواجبا عينيا لما تحدث القرآن عن هؤلاءالتاركين للجهاد بمثل هذه اللهجة المرنة ولم يكن ليوعدهم بالثواب.

و على هذا الأساس فإنّ فضل المجاهدين علىالقاعدين لا يمكن إنكاره حتى لو كانالجهاد ليس واجبا عينيا، و لا تشمل الآيةبأي حال من الأحوال أولئك الذين أحجموا عنالمشاركة في الجهاد نفاقا، و عدوانا و يجبالانتباه- أيضا- إلى أنّ عبارة غَيْرُأُولِي الضَّرَرِ لها مفهوم واسع يشمل كلأولئك الذين يعانون من نقص العضو أو المرضأو الضعف الشديد، مما يحرمهم من المشاركةفي الجهاد، فهؤلاء مستثنون من ذلك.

و تكرر الآية من جديد مسألة التفاضل بشكلأوضح و أكثر صراحة، و تؤكد في نهايةالمقارنة، أنّ اللّه وهب المجاهدين أجراعظيما، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَبِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَىالْقاعِدِينَ دَرَجَةً «1».

و لكن- كما أسلفنا- لما كان في الجانبالمقابل لهؤلاء المجاهدين يقف أولئكالذين لم يكن الجهاد بالنسبة لهم واجباعينيا أو لم يشاركوا في الجهاد بسبب مرض أوعجز أو علة أخرى أعجزتهم عن هذه المشاركة،فذلك و لأجل أن لا يغفل ما لهؤلاء من نيّةصالحة و إيمانه و أعمال صالحة أخرى فقدوعدوا خيرا حيث تقول الآية الكريمة: ... وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ إلّاأنّه من البديهي أن هناك فرقا شاسعا بينالخير الذي وعد به المجاهدون، و بين ذلكالذي يصيب القاعدين من العاجزين عنالمشاركة في الجهاد.

و تبيّن الآية القرآنية في هذا المجال:أنّ لكل عمل صالح نصيب محفوظ من‏

1- لقد وردت عبارة «درجة» في الآية علىصيغة النكرة، و تؤكد كتب الأدب بأن النكرةفي مثل هذه الحالات تأتي لبيان العظمة والأهمية- أي أن درجة المجاهدين من السمو والرفعة بحيث لا يمكن للبشر معرفتها بصورةكاملة- و هذا شبيه بالعبارة التي تطلقلبيان القيمة العظيمة لشي‏ء يجهل قيمتهالبشر.