أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية، حتىحركة الرياح و أمواج البحار و جريانالأنهار و الشلالات، هي من بركات نورالشمس، و إذا ما انقطعت هذه الأشعةالحياتية عن كرتنا الأرضية يوما فإنّالسكون و الظلمة و الموت سيخيّم على كلشيء في فاصلة زمنية قصيرة.
و القمر بنوره الجميل هو مصباح لياليناالمظلمة، و لا تقتصر مهمّته على هدايةالمسافرين ليلا و إرشادهم إلى مقاصدهم، بلهو بنوره المناسب يبعث الهدوء و النشاطلكل سكان الأرض.
ثمّ أشارت الآية إلى فائدة أخرى لوجودالقمر فقالت: وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ أي إنّكم لو نظرتم إلى القمر، وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع، ثمّ يكبر حتىيكون بدرا في ليلة النصف من الشهر، و بعدهايبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أواليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق، ثمّيظهر على شكل هلال من جديد و يدور إلى تلكالمنازل السابقة، لعلمتم أن هذا الاختلافليس عبثا، بل إنّه تقويم طبيعي دقيق جدّايستطيع الجاهل و العالم قراءته، و يقرأفيه تاريخ أعماله و أمور حياته «1».
ثمّ تضيف الآية: إن هذا الخلق و الدورانليس عملا غير هادف، أو هو من باب اللعب، بلما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّابِالْحَقِّ.
و في النهاية توكّد الآية: يُفَصِّلُالْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إلّا أنّهؤلاء الغافلين و فاقدي البصيرة بالرغم منأنهم يمرون كثيرا على هذه الآيات والدلائل، إلّا أنّهم لا يدركون أدنى شيءمنها.
و تتطرق الآية الثّانية إلى قسم آخر منالعلامات و الدلائل السماوية و الأرضيةالدالّة على وجوده سبحانه، فتقول: إِنَّفِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ
(1) لقد بحثنا في المجلد الثاني حول كونالقمر تقويما طبيعيا يمكن من خلال حالاتهالمختلفة تعيين أيام الشهر بدقة (راجعتفسير الآية 189 من سورة البقرة).