أساس الانحطاط و التسافل.
يقول أمير المؤمنين عليه السّلام فيخطبته المعروفة مع همام، حيث يجسد فيهاحالات أولياء اللّه في أرقى وصف:
«قلوبهم محزونة، و شرورهم مأمونة»
، ثمّ يقول:
«و لو لا الأجل الذي كتب اللّه عليهم لمتستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاإلى الثواب، و خوفا من العقاب» «1».
و يقول القرآن المجيد- أيضا- في شأنالمؤمنين: الَّذِينَ يَخْشَوْنَرَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَالسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ «2». و بناء علىذلك فإنّ لهؤلاء خوفا آخر.
هناك بحث بين المفسّرين فيمن همالمقصودون من أولياء اللّه، إلّا أنّالآية الثّانية وضحت المطلب و أنهتالنقاش، فهي تقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.
الملفت للنظر أنّها ذكرت الإيمان بصيغةالفعل الماضي المطلق، و التقوى بصيغةالماضي الاستمراري، و هذا إشارة إلى أنّإيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال، إلّا أنالتقوى التي تنعكس في العمل اليومي، وتتطلب كل يوم و كل ساعة عملا جديدا، و لهاصفة تدريجية، فإنّها قد ظهرت على هؤلاءبصورة برنامج دائمي و مسئولية متواصلة.
نعم .. إنّ الذين يرتكزون على هذين الركنينالأساسيين: الدين و الشخصية، يحسون بدرجةمن الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهمأية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفونأمامها كالجبل، كما وصفهم
الحديث: «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركهالعواصف».
و توكّد الآية الثّالثة على مسألة عدموجود الخوف و الغم و الوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة: لَهُمُالْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ و على هذا فهم ليسوا خالينمن الخوف و الغم و حسب، بل إنّ البشارة والفرحة و السرور
(1) نهج البلاغة، خطبة 193. صبحي الصالح. (2) الأنبياء، 49.