امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 14 -صفحه : 618/ 109
نمايش فراداده

و لكن بمجرّد أن واجهوا محكّ التجربة، ودخلوا كورة الامتحان المشتعلة، و تحقّقطلبهم ببعثة نبيّ منهم، تبيّن أنّهم مننفس تلك الطينة، حيث أشار القرآن إلى ذلكبعد تلك الجملة الاولى من الآية بالقول:فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْإِلَّا نُفُوراً.

هذا التعبير يدلّل على أنّهم كانوا قبلبعثة النّبي الأكرم صلّى الله عليه وآلهوسلّم- و على خلاف ما يدّعون- بعيدين عن ديناللّه سبحانه و تعالى، فقد كانت حنيفيةإبراهيم معروفة بينهم، إلّا أنّهم لميكونوا يحترمونها، كذلك لم يكن لديهم أياعتبار لما كان يمليه العقل من تصرفات. وبقيام النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ونيله من عقائدهم و أعرافهم و عصبيتهمالجاهلية، و وقوع مصالحهم غير المشروعة فيالخطر، زادت الفاصلة بينهم و بين الحقّ،نعم كانوا بعيدين عن الحقّ، لكنّهمازدادوا بعدا عن الحقّ بعد بعثة النّبيالأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.

الآية التالية توضيح لما في الآيةالسابقة، تقول: إنّ بعدهم عن الحقّ لأنّهمسلكوا طريق الاستكبار في الأرض، و لم تكنلديهم أهلية الخضوع لمنطق الحقّاسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ «1» و كذلكلأنّهم كانوا يحتالون و يسيئون وَ مَكْرَالسَّيِّئِ «2».

و لكن وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُالسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.

جملة «لا يحيق»: الفعل (يحيق) من (حاق)بمعنى نزل و أصاب، و الجملة معناها «لاينزل و لا يصيب و لا يحيط» إشارة إلى أنّالاحتيال قد يؤدّي- مؤقتا-

1- أغلب المفسّرين قالوا بأنّ «استكبارا»هو «مفعول لأجله» من حيث التركيب النحوي وهي بيان لعلّة «النفور» و ابتعادهم عنالحقّ، و «مكر السي‏ء» عطف على«استكبارا» في حين أنّ البعض الآخر قال:إنّها عطف على «نفورا».

2- «مكر السيئ» إضافة (للجنس) إلى (النوع)،كما هو نقول: «علم الفقه» لأنّ (مكر) بمعنى(البحث عن حلّ) سواء كان خيرا أو شرّا، لذافإنّ هذه الكلمة تطلق كصفة للّه سبحانه وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ آل عمران- 54، ولكن «السي‏ء» تحصر المكر في نوع خاصّ منه،و هو الاحتيال.