و إرادة، و نعلم بأنّ أهمّ مسألة في حياةالإنسان هي التكلّم و الحديث الذي يهيّأمحتواه مسبقا في الذهن، ثمّ يصبّ في قالبمن العبارات و يطلق باتّجاه الهدف كالرصاصالمنطلق من فوهة البندقية، و هذا العمل لايمكن حدوثه في أي كائن حي عدا الإنسان.
و بذلك فإنّ اللّه سبحانه و تعالى يجسّدقدرته في إعطاء هذا الماء المهين هذهالقوّة العظيمة .. هذا من جانب.
و من جانب آخر فإنّ الإنسان مخلوق مغرور وكثير النسيان، فهو يستغلّ كلّ هذه النعمالتي أولاها إيّاه ولي نعمته ضدّه فيالمجادلة و المخاصمة، فيا له من مغفّلأحمق!! و يكفي لمعرفة مدى غفلته و حمقه أنّهجاء: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَخَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ «1».
المقصود من ضرب المثل هنا، نفس المعنىبدون التشبيه و الكناية. فالمقصود هوالاستدلال و ذكر مصداق لإثبات مطلب معيّن.نعم فإنّ (أبيّ بن خلف أو اميّة بن خلف. أوالعاص بن وائل) كان قد وجد قطعة متفسّخة منعظم لم يكن معلوما لمن؟ و هل مات موتاطبيعيا؟ أو في واحدة من حروب العصرالجاهلي المهولة؟ أو مات جوعا؟ و ظنّ أنّه وجد فيه دليلاقويّا لنفي المعاد! فحمل تلك القطعة منالعظم و ذهب حانقا و فرحا في نفس الوقت و هويقول: لأخصمن محمّدا.
فذهب إلى الرّسول الأكرم صلّى الله عليهوآله وسلّم و هو في عجلة من أمره ليقول له:قل لي من ذا الذي يستطيع أن يلبس هذا العظمالبالي لباس الحياة من جديد؟ و فتّ بيدهقسما من العظم و ذرّه على الأرض، و اعتقدبأنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّمسيتحيّر في الجواب و لا يملك ردّا!!
1- «رميم» من مادّة (رم) و هو إصلاح الشيءالبالي، و «الرّمّة» تختص بالعظم البالي،و «الرّمّة» تختص بالحبل البالي، (مفرداتالراغب مادّة (رم) صفحة 203).