في البدء تأخذ بيد الإنسان و تشير له إلىبدء حياته في ذلك اليوم حيث كان نطفة مهينةلا غير و تدعوه إلى التأمّل و التفكّر،فتقول: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُأَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذاهُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ «1». يا له من تعبيرحيوي؟ فالآية تؤكّد أوّلا على مخاطبةالإنسان، أيّا كان و أيّ إعتقاد كانيعتقد، و على أيّ مستوى كان من العلم، فهويستطيع إدراك هذه الحقيقة.ثمّ تتحدّث عن «النطفة» و التي هي لغويابمعنى «الماء المهين» لكي يعلم هذاالإنسان المغرور المتكبّر- بقليل منالتأمّل- ماذا كان في البدء؟ كما أنّ هذاالماء المهين لم يكن هو السبب في نشوئه وظهوره، بل خليّة حيّة متناهية في الصغر،لا ترى بالعين المجرّدة، من ضمن آلاف بلملايين الخلايا الاخرى التي كانت تسبح فيذلك الماء المهين، و باتّحادها مع خليةصغيرة اخرى مستقرّة في رحم المرأة تكوّنتالخليّة البشرية الاولى، و دخل الإنسانإلى عالم الوجود! و تتواصل مراحل التكاملالجنيني الواحدة بعد الأخرى و التي هيستّة مراحل كما نقلها القرآن الكريم فيبداية سورة «المؤمنون» (النطفة، العلقة،المضغة، العظام، اكتساء العظام باللحم، وتمثّل الخلق السوي). ثمّ إنّ الإنسان بعدالولادة كائن ضعيف جدّا، لا يملك القدرةعلى شيء، ثمّ يقطع مراحل نموّه بسرعةحتّى بلوغ الرشد الجسماني و العقلي.نعم، فهذا الموجود الضعيف العاجز، يصبحقويّا إلى درجة أن يجيز لنفسه النهوضلمحاربة الدعوات الإلهيّة، و ينسى ماضيه ومستقبله، ليكون مصداقا حيّا لقوله تعالى:فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. و اللطيفأنّ هذا التعبير يتضمّن جنبتين، إحداهماتمثّل جانب القوّة، و الاخرى جانب الضعف،و يظهر أنّ القرآن الكريم أشار إليهماجميعا.إنّ هذا العمل لا يكون إلّا من إنسان يملكعقلا و فكرا و شعورا و استقلالا 1- «خصيم» بمعنى المصرّ على الخصومة والجدال، و (الرؤية) بمعنى (العلم).