لذلك فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّالبحث تقسم فتقول: فَوَ رَبِّ السَّماءِوَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ماأَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ.
و قد بلغ الأمر حدّا أن يقسم اللّه على مالديه من عظمة و قدرة ليطمئن عبادهالشاكّين ضعاف الأنفس الحريصين إنّ ماتوعدون في مجال الرزق و الثواب و العقاب والقيامة جميعه حقّ و لا ريب في كلّ ذلك «1».
و التعبير بـ مِثْلَ ما أَنَّكُمْتَنْطِقُونَ تعبير لطيف و دقيق إذ يتحدّثعن أكثر الأشياء لمسا، لأنّه قد يخطئالإنسان في الباصرة أو السمع بأن يتوهّمأنّه سمع أو رأى، إلّا أنّه لا يمكن أنيتوهّم أنّه قال شيئا مع أنّه لم يقله ..لذلك فإنّ القرآن يقول: كما أنّ ما تنطقونمحسوس عندكم و له واقع، فإنّ الرزق و الوعدالإلهي عنده كذلك! ثمّ بعد هذا كلّه فإنّالنطق بنفسه واحد من أكبر الأرزاق والمواهب الإلهيّة التي لم يتمتّع بها أيموجود حيّ سوى الإنسان، و ليس بخاف أثرالكلام و النطق في الحياة الاجتماعية وتعليم الناس و تربيتهم و انتقال العلوم وحلّ مشاكل الحياة على أحد.
ينقل الزمخشري في كشّافه عن الأصمعي «2»أنّه قال خرجت من مسجد البصرة فبصرتبأعرابي من أهل البادية راكبا على دابتهفواجهني و سألني: من أي
1- هناك كلام بين المفسّرين في أنّ مرجعالضمير في «أنّه» على أي شيء يعود؟ قالبعضهم يعود على الرزق، و قال بعضهم يعودعلى ما توعدون و قال بعضهم يعود على النّبيو القرآن إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب. 2- كان يدعى «عبد الملك بن قريب» و كان يعيشفي عهد هارون الرشيد و له حافظة عجيبة واطّلاعات واسعة عن تاريخ العرب و أشعارهاو توفّي في البصرة سنة 216 الكنى و الألقاب،ج 2، ص 27.