و كأنّ بعضهم لقصورهم لم يطيقوا ملاحظةكنه الأمر و الاحتواء على مجامعه فالجمواعمّا لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع. وقيل لهم: اسكتوا فما لهذا خلقتم «لا يسألعما يفعل و هم يسألون» عليكم بدين العجائزو الزمنى عن سلوك عالم السماء و قصارىايمانكم أن تؤمنوا بالغيب ايمان الأكمهبالألوان اسكتوا و أنّى للعميان و السؤالعن حقائق الألوان.
و أما من امتلأت مشكوة عقلهم المنفعل مننور اللّه النافذ في السموات و الأرض و كانزيتهم أولا صافيا يكاد يضيء و لو لمتمسسه نار، فمسّته نار العقل الفعّالفاشتعل نورا على نور فأشرقت أقطار الملكوتبين أيديهم بنور ربّها فأدركوا الأمور كماهي عليه فقيل لهم: تأدّبوا بأدب اللّه واسكتوا، و إذا ذكر القدر فأمسكوا «1» فإنّللحيطان آذان، و حواليكم ضعفاء الأبصارفسيروا بسير أضعفكم، و لا تكشفوا حجابالشمس لأبصار الخفافيش، فيكون ذلك سببهلاكهم. فتخلّقوا بأخلاق اللّه و انزلواإلى السماء الدنيا من منتهى علوّكم ليأنسبكم الضعفاء و يقتسبوا من بقايا أنواركمالمشرقة من وراء حجابكم كما يقتبس الخفّاشمن بقاء نور الشمس و الكواكب في جنح الليل،فيحيى به حيوة يحتمله شخصه و حاله لا حيوةالمتردّدين في كمال نور الشمس و كونوا كماقيل:
و قد ضرب اللّه مثلا (174) لهذا المرامتقريبا إلى أفهام الأنام، و قد عرّف إنّهما خلق الجنّ و الإنس إلّا ليعبدون، و كانتعبادتهم و معرفتهم غاية الحكمة في حقّهمفأخبر انّ له عبدين
1) الجامع الصغير: 1/ 26.