و ما سيكون في اليقظة لا يبيّن لك في النومإلّا بضرب الأمثال المحوجة إلى التعبير وكذلك ما سيكون في يقظة يوم القيامة لايبيّن لك في ليالي حجب الدنيا إلّا في كسوةالأمثال و اعنى بكسوة الأمثال ما تعرفه منعلم التعبير فإنّ شأن علماء التعبير أنيعبروا من الأمثلة إلى الحقائق.
و لنذكر لك ثلثة أمثلة من تعبيرات ابنسيرين يكفيك إن كنت فطنا لفهم معنى المثالو نسبته إلى الحقيقة «1».
فقد جاء رجل إليه و قال: رأيت كأنّ في يديخاتما اختم به أفواه الرجال و فروج النساء.فقال: إنّك مؤذّن تؤذّن في رمضان قبلالفجر. فقال: صدقت.
و جاء آخر فقال: رأيت كأني أصبّ الزيت فيالزيتون. فقال: إن كان تحتك جارية اشتريتهاففتّش عن حالها فإنّها امّك، لأنّ الزيتونأصل الزيت فهو ردّ إلى الأصل فنظر فإذنجاريته كانت امّه و قد سبيت في صغره.
و قال آخر له: كأنّي اعلّق الدرّ في أعناقالخنازير، فقال: إنّك تعلّم الحكمة غيرأهلها و كان كما قال.
فالتعبير من أوله إلى آخره مثال لعرفانطريق الأمثال و ليس للأنبياء عليهم السلامأن يتكلّموا مع الخلق إلّا بضرب الأمثال،لأنّهم كلّفوا أن يكلّموا الناس على قدرعقولهم، و قدر عقولهم إنّهم في النوم، كما ورد: «الدنيا دار منام، و العيش فيهاكأحلام».
و النائم لا ينكشف له شيء إلّا بصورةالمثل فإذا ماتوا انتبهوا و وصلوا إلىتعبير منامهم و عرفوا إن المثل المضروبلهم كان صادقا كلّه.
و إنّما نعنى بالمثل أداء المعنى او وجودهفي صورة إن نظر إلى معناه و باطنه وجدصادقا، و إن نظر إلى صورته و ظاهره وجدكاذبا.
1)- راجع احياء علوم الدين، كتاب التوبة: 4/23.