وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْبَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) يعني: و ما أنزلنا لإهلاك قومه من بعد قتلهاو دفعه جندا من السماء، أى و ما احتجنا فيإهلاك قرية فجرت و عتت عن أمر ربهم الىانزال جند من قبلنا، كما احتاج الملوك فيالغلبة على خصومهم بأسباب و معاوناتخارجية و أشخاص و جنود و آلات و أوزارللحرب، بل انما أمرنا لشيء إذا أردنا أننقول له كن فيكون. لان القدرة الالهية ألطفو أمتن من أن يكون بواسطة أسباب محسوسة وأجناد مشهودة، الا إذا اقتضت الحكمة انزالالعذاب على طائفة بهيئة خاصة و صورةمعيّنة فيها عبرة للناظرين و مصلحةللعابرين، فربما أوجبت المصلحة هلاك قومعلى صورة دون اخرى، و هلاك قوم غيرهم علىوجه آخر.
أو لا ترى الى قوله تعالى: فَمِنْهُمْمَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ،وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا [29/ 40] و لايبعد أن يكون شدة البأس و عظمة هيئة الغضبعلى طائفة شقية بنسبة شقاوتهم و كفرهم اونسبة عظمة المبعوث عليهم المنذر لهم مننبى او خليفة له، و لهذا أنزل اللّه جنودامن السماء يوم بدر و الخندق، قال تعالى:فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [33/ 9] بِأَلْفٍمِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [8/ 9]بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِمُنْزَلِينَ [3/ 124] بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَالْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [3/ 125] مع انهكان يكفي في إهلاكهم ملك واحد، بل ريشة؟ واحدة، بل صيحة واحدة من صياحه، بل ارادةواحدة منه بإذن ربه، فقد أهلكت مدائن لوطبريشة من جناح جبرئيل، و بلاد ثمود و قومصالح بصيحة.