قلة ما يجتمع فيه من حصى الجمار، فإنه منذآلاف سنة و قد يبلغ من يرمي في كل سنةستمائة ألف إنسان كل واحد منهم سبعينحصاة، ثم لا يرى هناك إلا ما لو اجتمع فيسنة واحدة لكان غير كثير و ليس الموضع الذيترمى إليه الجمرات مسيل ماء و لا مهب رياحشديدة و قد جاء في الآثار أن من كانت حجتهمقبولة رفعت حجارة جمراته إلى السماء.
إن الطيور تترك المرور فوق الكعبة عندطيرانها في الهواء بل تنحرف عنها إذا ماوصلت إلى فوقها.
أن عنده يجتمع الوحش لا يؤذي بعضها بعضاًكالكلاب و الظباء، و لا يصطاد فيه الكلاب والوحوش و تلك خاصية عجيبة و أيضاً كل منسكن مكة أمن من النهب و الغارة و هو بركةدعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال: رَبِّاجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً [البقرة: 126] وقال تعالى في صفة أمنه أَ وَ لَمْ يَرَوْاأَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ[العنكبوت: 67] و قال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّهذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْمِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ[قريش: 3، 4] و لم ينقل ألبتة أن ظالماً هدمالكعبة و خرب مكة بالكلية و أما بيت المقدسفقد هدمه بختنصر بالكلية.
أن صاحب الفيل و هو أبرهة الأشرم لما قادالجيوش و الفيل إلى مكة لتخريب الكعبة وعجز قريش عن مقاومة أولئك الجيوش و فارقوامكة و تركوا له الكعبة فأرسل اللّه عليهمطيراً أبابيل، و الأبابيل هم الجماعة منالطير بعد الجماعة، و كانت صغارا تحملأحجاراً ترميهم بها فهلك الملك و هلكالعسكر بتلك الأحجار مع أنها كانت في غايةالصغر، و هذه آية باهرة دالة على شرفالكعبة و إرهاص لنبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.
فإن قال قائل: لم لا يجوز أن يقال إن كل ذلكبسبب طلسم موضوع هناك بحيث لا يعرفه أحدفإن الأمر في تركيب الطلسمات مشهور.
قلنا: لو كان هذا من باب الطلسمات لكان هذاطلسماً مخالفاً لسائر الطلسمات فإنه لميحصل لشيء سوى الكعبة مثل هذا البقاءالطويل في هذه المدة العظيمة، و مثل هذايكون من المعجزات، فلا يتمكن منها سوىالأنبياء.
إن اللّه تعالى وضعها بواد غير ذي زرع، والحكمة من وجوهأحدها: إنه تعالى قطع بذلكرجاء أهل حرمه و سدنة بيته عمن سواه حتى لايتوكلوا إلا على اللّهو ثانيها: أنه لايسكنها أحد من الجبابرة و الأكاسرة فإنهميريدون طيبات الدنيا فإذا لم يجدوها هناكتركوا ذلك الموضع، فالمقصود تنزيه ذلكالموضع عن لوث وجود أهل الدنياو ثالثها:أنه فعل ذلك لئلا يقصدها أحد للتجارة بليكون ذلك لمحض العبادة و الزيارة فقطورابعها: أظهر اللّه تعالى بذلك شرف الفقرحيث وضع أشرف البيوت في أقل المواضعنصيباً من الدنيا، فكأنه قال: جعلتالفقراء في الدنيا أهل البلد الأمين،فكذلك أجعلهم في الآخرة أهل المقامالأمين، لهم في الدنيا بيت الأمن و فيالآخرة دار الأمنو خامسها: كأنه قال: لمالم أجعل الكعبة إلا في موضع خال عن جميعنعم الدنيا فكذا لا أجعل كعبة المعرفة إلافي كل قلب خال عن محبة الدنيا، فهذا مايتعلق