الْعَتِيقِ [الحج: 33] و قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 29] و في اشتقاقه وجوهالأول: العتيقهو القديم، و قد بينا أنه أقدم بيوت الأرضبل عند بعضهم أن اللّه خلقه قبل الأرض والسماءو الثاني: أن اللّه أعتقه من الغرقحيث رفعه إلى السماءالثالث: من عتق الطائرإذا قوي في وكره، فلما بلغ في القوة إلىحيث أن كل من قصد تخريبه أهلكه اللّه سميعتيقاًالرابع: أن اللّه أعتقه من أن يكونملكاً لأحد من المخلوقينالخامس: أنهعتيق بمعنى أن كل من زاره أعتقه اللّهتعالى من النارو ثالثها: المسجد الحرامقال سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرىبِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِالْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى[الإسراء: 1] و المراد من كونه حراماًسيجيء إن شاء اللّه في تفسير هذه الآية.
فإن قال قائل: كيف الجمع بين قوله إِنَّأَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ و بينقوله وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ[الحج: 26] فأضافه مرة إلى نفسه و مرة إلىالناس.
و الجواب: كأنه قيل: البيت لي و لكن وضعتهلا لأجل منفعتي فإني منزّه عن الحاجة و لكنوضعته لك ليكون قبلة لدعائك و اللّه أعلم.
ثم قال تعالى: مُبارَكاً وَ هُدىًلِلْعالَمِينَ.
و اعلم أنه تعالى: وصف هذا البيت بأنواعالفضائل
فأولها: أنه أول بيت وضع للناس،
و قد ذكرنا معنى كونه أولًا في الفضل ونزيد ههنا وجوهاً أخرالأول: قال علي رضياللّه عنه، هو أول بيت خص بالبركة، و بأنمن دخله كان آمناً، و قال الحسن: هو أولمسجد عبد اللّه فيه في الأرض و قال مطرف.أول بيت جعل قبلة
و ثانيها: أنه تعالى وصفه بكونه مباركاً،و فيه مسألتان:
انتصب مُبارَكاً على الحال و التقديرالذي استقر هو ببكة مباركاً.
البركة لها معنيانأحدهما: النمو والتزايدو الثاني: البقاء و الدوام، يقالتبارك اللّه، لثبوته لم يزل، و البركة شبهالحوض لثبوت الماء فيها، و برك البعير إذاوضع صدره على الأرض و ثبت و استقر، فإنفسرنا البركة بالتزايد و النمو فهذا البيتمبارك من وجوهأحدها: أن الطاعات إذا أتىبها في هذا البيت ازداد ثوابها. قال صلّىالله عليه وسلّم: «فضل المسجد الحرام علىمسجدي، كفضل مسجدي على سائر المساجد» ثمقال صلّى الله عليه وسلّم: صلاة في مسجديهذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه» فهذا فيالصلاة، و أما الحج، فقال عليه الصلاة والسلام: «من حج و لم يرفث و لم يفسق خرج منذنوبه كيوم ولدته أمه» و في حديث آخر «الحجالمبرور ليس له جزاء إلا الجنة» و معلومأنه لا أكثر بركة مما يجلب المغفرة والرحمةو ثانيها: قال القفال رحمه اللّهتعالى: و يجوز أن يكون بركته ما ذكر في قولهتعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّشَيْءٍ [القصص: 57] فيكون كقوله إِلَىالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِيبارَكْنا حَوْلَهُ [الإسراء: 1] و ثالثها:أن العاقل يجب أن يستحضر في ذهنه أن الكعبةكالنقطة و ليتصور أن صفوف المتوجهين إليهافي الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز، وليتأمل كم عدد الصفوف المحيطة بهذهالدائرة حال اشتغالهم بالصلاة، و لا شكأنه يحصل فيما بين هؤلاء المصلين أشخاصأرواحهم علوية، و قلوبهم قدسية و أسرارهمنورانية و ضمائرهم ربانية ثم إن تلكالأرواح الصافية إذا توجهت إلى كعبةالمعرفة و أجسادهم توجهت إلى هذه الكعبةالحسيّة فمن كان في الكعبة يتصل أنوارأرواح أولئك المتوجهين